كُثرٌ من المبدعين، أبوا إلا أن تكون كلماتهم ضمائر وصلٍ مابين ثقافتهم الواعية، وأبناء الإنسانية.. ضمائر، تُرفعُ بالنورِ فتسلّطهُ على مجتمعاتنا، وتضمُّ كلّ الأفكار الساعية لارتقاءِ أفكارنا وحياتنا..
فعلوا ذلك، عن سابقِ يقينٍ بأنها مسؤوليتهم، ولاسيما في زمنٍ تنحّت الثقافة فيه، عن مواجهة كلّ ماتفنَّن الجهل والحقد والظلام، باقتيادِ الإنسان إليه.. مسؤوليتهم في السعي لانتشالِ واقعنا من رداءته وجاهليته وعدميّته، وبالفعل الثقافي المرفوع بكلماتهم.
• الأديب والكاتب الجزائري مصطفى بوغازي..
«لا يُعقل أن تنبثق الأشعة.. من كوكبٍ يتجلبَبُ بالعتمة»
أديبٌ وكاتبٌ وناشرٌ، يسعى وفي غالبية كتاباته، إلى حضُّ جميع العاملين في حقل الكتابة، ولاسيما النخبة منهم، على «التضحية من أجل نبلِ الفكرة وسمو الغاية، وبأشكالِ الإبداع المختلفة التي تتغذى من ثمار الموهبة وعمق الإحساس ورسوخ القناعة، لأجل واقعٍ أكثر نقاءً وصفاء».
يحضُّهم على ذلك، في «زمنِ الرداءة والسطحية والسلبية». الزمن الذي يرى، بأن على هذه النخب تجاوزه في المشهد الثقافي العربي، الذي «نُصدم ونحن نقف على ما فيه من سطحية الاشتغال، وضبابية المشهد وشح المردود»..
إنها صدمته. صدمة المسكون برقيّ كلمته، وبعد أن تلمَّس ما آل إليه هذا المشهد من تهويماتٍ، إلى أن بات: «مفعولاً به ومفعولاً فيه ومفعولاً لأجل مقاولي الثقافة، التي أخذت تنأى عن الجوهر، وترزح لغريزة الانتفاع الفردي والجماعي، على وقعِ الاستفادة الذاتية وفي نطاق التكتلات والولاءات، بعيداً عن الدور المنوط والغايات الكبيرة. هنا، تُهدر المقدرات وتفرَّغ الهياكل الضخمة من جدواها، لتفتح على ذمة تحصيل الفُتات في وليمةٍ للانتساب لا تتعدى دائرة ضيقة».
هذا للأسف ما جرجرَ الكلمة المؤثرة والفاعلة، بالعقليةِ المقاولة. عقلية كل من لايعي بأن الفعل الثقافي، هو الذي يتغذَّى وحسب «بوغازي»: «يتغذى من ملكة الموهبة، ورغبة التحليقِ في رحاب الإبداع دون سلطة انتساب، وفي فضاءٍ شفافٍ والمنتسبون إليه أكثر نقاءً ولمعاناً، فلا يُعقل أن تنبثق الأشعة من كوكبٍ فضَّل أن يتجلبب بالعتمة..».
• الشاعر والكاتب المغربي صلاح الوديع..
«الثقافة.. وعي الكتابة بتماسها مع عوالمٍ لاتُحصى»
أيضاً، لهذا الكاتب والشاعر الذي تمرّس على جعل كلماته مرفوعة بطريقةٍ، تخطَّى بها محطات الحياة الجاهلة لثقافتها العاقلة والإنسانية لهُ، رأيٌ بالفعل الثقافي الذي يشعرُ بأن عليه أن يكون، عبر وعي الكتابة التي امتهنها بتعدِّد فنونها، ولأنها بنظرته الشخصية: «حدودُ تماسٍ بين عوالم لا تحصى. الآن والمابعد، الممكن والمشتهى، الأنا والآخرون، المحسوس والمقول، المكان والزمان. لذلك، لن تموت الكتابة ولو تغيرت الحضارات والإمبراطوريات.
أما المثقف الذي عليه، أن يلامس قضايا حساسة وهامة ومؤثرة، فهو لديه: «مطلوب في أنواع السؤال المقلقة، فإذا حددنا ضمان الكرامة للجميع، بمعانيها المادية والمعنوية، وكهدفٍ أسمى للمجتمع، تصبح مسؤولية المثقف على قمة هرم المسؤوليات الأخلاقية»..
إنه مانوّه إليه كثيراً، ولتعبئة الجدوى التي تترنح فينا.. لإنقاذِ ما تبقى من إنسانيتنا.. لدفعِ الوباءِ الأسود عن تاريخنا وتراثنا. لمواجهة، من يستغل وجداننا ويتاجر بأدياننا وإنساننا وأوطاننا.
• الأديبة الجزائرية حسيبة بوطاهر..
«سيبقى الأمل.. وستقوم قيامة العقلِ ولو بعد حين»
«لأن التيارات والطوائف الدينية والسياسية والإلحادية والفلسفية أصبحت بعدد رمال البحر، فإن المثقف المنافق لايظهر حقيقة معتقداته وتوجهاته، بل ينتهج أسلوب المراوغة والتورية، ومن أجل أن يُبعد عنه النقمة التي تقول لك: كن معي أو كنت عليك».
نبدأ بهذا القول لكاتبةٍ، أكثر ما شغلها وتناولته في أعمالها، النبش في الحياة بحثاً عما يجعلها ذات جدوى لايمكن أن تُرفع، إلا بعيداً عن ثقافة النقاق، وبالثقافة وقيمها وأفكارها الواعية.
شغلها ذلك، بعد أن وجدت الحقيقة توأد وهي حيّة في مجتمعاتنا، وبأيدي من يغتال المثقفين والمفكرين والمبدعين، ويُحيي الجَهلة والمتخلفين والظلاميين.
كل هذا، لم يمنعها عن الإيمان بسيادة الكلمة وتأثيرها وأهميتها، وبالثقافة التي ستبقى تأمل قيامتها وارتدادها إلى مكانتها: «مادام هناك شجعان يقفون في وجه العنف والجهل المقدس والظلم المكدس، والقمع والكبت والديباجة الاجتماعية التي تخفي تحتها قلوباً براغماتية تقول مالا تفعل، يبقى الأمل وستقوم قيامة العقل ولو بعد حين».
• الكاتب والأديب العراقي سعد محمد رحيم..
«لاحلول.. ضمن رؤوسِ القابعين في كهوفِ الظلام»
من الأدباء المعروفين باهتمامهم بالثقافة والمثقف، وقد تناولهما في غالبية أعماله الروائية التي منها «مقتل بائع الكتب». أيضاً، في مؤلفاته النقدية التي أشهرها «المثقف الذي يدسُّ أنفه» ونوجز رأيه: «كثرٌ من مثقفينا م زالوا «يتناقرون» كديكةٍ «عجائز» في قفصٍ ضيق، متوهمين أنهم يصنعون التاريخ. إن الذات العربية المثقفة، بحاجة إلى نقد صادم».
هكذا يرى المثقفون في عالمنا, هكذا يراهم في ظلِّ استلابهم وتقوقعهم ودسِّهم لأنوفهم في هاوية الأوهام والتيه التي لايقربها: «المثقف الذي يسعى لفكِّ السحر عن العالمِ بعقلانيةٍ وإنسانية وعدالة، وبسلطة العقل التي تطيح بالخرافة وترّهات المتعصبين بأشكالهم كافة. إن هُزم العقل هُزمنا نحن، فالحلول لا توجد في رؤوس القابعين في كهوف الظلام، ولاعند الحالمين الرومانسيين الذين لا يتقنون قراءة الواقع وتناقضاته وصراعاته والقوى المؤثرة فيه، غير أن العقل وحده لن يحقق غايته ما لم يكن مدعوماً بقيم الحياة الخيّرة.. أن نؤمن بالتنوع وروح الحوار واحترام الإنسان وحريته وحقوقه بغض النظر عن انتمائه وخياراته السلمية».
• الشاعر والأديب الفلسطيني أنور الخطيب..
«مثقفنا.. بحاجة للانتفاض على نفسه وعلى المجتمع»
نختم بوصفِ هذا المبدع، لمثقفنا العربي الذي رآه، «بحاجة للانتفاض على نفسه أولاً، ومن ثمَّ على المجتمع» ولأنه: «منفصل منذ زمن عن حراك مجتمعه، الذي نفخ أوداجه الثقافية بـ «بوتكس» مستورد ليبدو كالآخر الذي شهد ثورات ثقافية وفكرية وفلسفية منذ مئات السنين، ونسي مجتمعاته التي تصل الأمية الأبجدية في بعضها إلى 40 و50%.
انشغل بحداثة لم تصل إلى أوطانه، بل وقفز إلى مابعدها، وصار يكتب وفق أشكال أدبية نشأت في دولٍ تختلف كلياً في ثقافتها»..
هفاف ميهوب
التاريخ: الخميس 31-1-2019
الرقم: 16898