أميركا تنكث عهودها مجدداً.. وتطلق العنان لسباق تسلح جديد.. روسيا ترد بتعليق مشاركتها بمعاهدة «الصواريخ».. وتحمّل واشنطن تبعات مسارها التدميري
رغم دعوات موسكو إلى الحفاظ على المعاهدة لأهميتها في ضمان السلم والأمن الدوليين، نفذت الولايات المتحدة الأمريكية تهديداتها بالانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى الموقعة مع روسيا عام 1987، لتطلق بذلك العنان لسباق تسلح جديد يضع العالم برمته على فوهة بركان.
روسيا التي اعتبرت القرار الأمريكي بالانسحاب مجرد ذريعة لتوسيع وتطوير البرنامج الصاروخي الأمريكي وإطلاق سباق تسلح جديد ترفض الانسياق إليه، ردت على لسان رئيسها فلاديمير بوتين بتعليق مشاركتها في المعاهدة.
وأكد الرئيس بوتين خلال اجتماع عقده مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو في موسكو أمس لبحث الرد الروسي على شروع واشنطن في تقويض معاهدة الصواريخ أن روسيا ستباشر في تطوير صاروخ فرط صوتي أرضي متوسط المدى، مشددا على أن استخدام الولايات المتحدة «الصواريخ الأهداف» ونشرها منصات إطلاق من نوع «إم كي-41» في أوروبا يعتبر انتهاكا سافرا لمعاهدة الصواريخ.
وقال بوتين: أؤيد اقتراح وزارة الدفاع بدء العمل على نشر صواريخ «كاليبر» المجنحة على اليابسة، وفتح مسار جديد للعمل على إنتاج صاروخ فرط صوتي أرضي متوسط المدى.
وأشار بوتين إلى أن روسيا لن تنشر الصواريخ في أوروبا أو أي مناطق أخرى ما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك.
ووجه بوتين وزارتي الخارجية والدفاع بعدم المبادرة إلى إجراء مفاوضات جديدة مع واشنطن حول قضايا نزع الأسلحة حتى «ينضج شركاؤنا» للتعاون معنا على أساس تكافؤي.
وأكد بوتين أنه يجب على روسيا ألا تنجر إلى سباق تسلح مكلف في ردها على انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ، وأنها لن تفعل ذلك، إذ سيتم إنتاج أنواع جديدة من الأسلحة ضمن ميزانية التسلح المرصودة، وكلّف وزارة الدفاع بتقديم تقرير حول سبل مواجهة الخطر الذي قد ينجم عن نشر الدول أسلحتها في الفضاء.
وأشار بوتين إلى ضرورة تغيير صيغة الاجتماعات العسكرية، معربا عن عزمه الإشراف شخصيا على عملية إدخال الأسلحة الجديدة حيز الخدمة، وقال: أريد أن أطلع على سير العمل على إدخال منظوماتنا الجديدة حيز الخدمة، وأقصد صاروخ «كينجال» «الخنجر» فرط الصوتي، ومنظومة «بيريسفيت» الليزرية، التي قد تم تزويد قواتنا بها، إضافة إلى منظومة «أفانغارد» الصاروخية الاستراتيجية النووية فرط الصوتية، التي أنهينا اختبارها وبدأنا بتصنيعها.
وأضاف: أريد أن أرى أيضا كيف يجري العمل على إنتاج صاروخ «سارمات» «الخارق العابر للقارات» ووضعه في الخدمة… وذلك فضلا عن الطائرة البحرية المسيرة «بوسيدون»، التي أبلغوني مؤخرا بانتهاء المرحلة الرئيسة من اختبارها.
وكان شويغو قد اقترح على الرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف استخدام منصات برية لإطلاق صواريخ «كاليبر» بعد الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ.
من جهته أعرب لافروف عن قلق موسكو من عقيدة الجيش الأمريكي التي تتضمن صنع قذائف نووية صغيرة واستخدامها في صواريخ متوسطة المدى وقال: يقلقنا أن مراجعة السياسة النووية للولايات المتحدة قد حددت مؤخرا قبل عام سعي واشنطن لإنتاج قذائف نووية صغيرة يرجح استخدامها على الصواريخ متوسطة المدى. وأوضح لافروف أن الولايات المتحدة لا تستجيب لمبادرات روسيا الهادفة إلى وضع بداية جديدة وأن الموقف مقلق، مشيرا الى أن روسيا حاولت فعل كل شيء للحفاظ على المعاهدة نظرا لأهميتها في الحفاظ على الأمن الاستراتيجي أوروبيا وعالميا. وبين لافروف أن واشنطن بدأت بانتهاك معاهدة الصواريخ منذ عام 1999 بالدرونات الحاملة لمواصفات الصواريخ المحظورة، مشيرا إلى أن موسكو عرضت على النظراء الأمريكيين إجراءات شفافة غير مسبوقة، أكبر من التزاماتها حسب المعاهدة .
وأكد لافروف أن معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية /ستارت 3/ يهددها الخطر أيضا نتيجة السلوك الأمريكي وقال: إنه بعد وقف الحوار حول الصواريخ الدفاعية في 2014 وسعت الولايات المتحدة تموضعها في أوروبا وآسيا لتعزيز أنظمتها بما في ذلك ألاسكا والساحل الشرقي.
بدورها قالت قالت وزارة الدفاع الروسية إن واشنطن لم تقرر الانسحاب من معاهدة نزع الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى فحسب، بل وبدأت تصنيع صواريخ محظورة قبل سنتين من شروعها في اتهام روسيا بخرق المعاهدة.
وأشارت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها أمس، إلى امتلاكها أدلة دامغة على أن برنامجا لتوسيع وتحديث الطاقات الإنتاجية لمصنع مؤسسة «Raytheon» الصناعية العسكرية الأمريكية في مدينة توسان بولاية أريزونا جنوب غربي البلاد قد انطلق منذ حزيران عام 2017، وذلك بهدف إنتاج صواريخ متوسطة وقصيرة المدى تحظرها المعاهدة المذكورة.
من جهتها أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن نظيرتها الأميركية أبلغتها بشكل رسمي أمس بتعليق التزاماتها وفق المعاهدة وبدئها إجراءات الانسحاب.
وقالت الخارجية الروسية في بيان: «يوم الثاني من شباط أخطرت الولايات المتحدة بشكل رسمي الاتحاد الروسي عبر ملاحظة من وزارة الخارجية حول تعليق مشاركتها في معاهدة القوى النووية متوسطة المدى للعام 1987، وبدء إجراءات الانسحاب منها».
وأكدت الخارجية الروسية، أنه في ظل التهديدات التي توجهها واشنطن، فبالطبع سوف نقوم بكل ما هو ضروري لضمان أمننا القومي، وتحتفظ روسيا بالحق في التصرف بالمثل فيما يخص تطوير وإنتاج ونشر الصواريخ الأرضية متوسطة وقصيرة المدى.
واتهم البيان واشنطن بـ توجيه ضربة قاصمة للتحكم في انتشار السلاح، والتي بذلت بشكل مضن لعقود، وهذه الخطوة لا شك سوف يكون لها عواقب سلبية وواسعة النطاق على بنية الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي، في أوروبا بشكل أساسي، مضيفا أن مسؤولية ذلك تقع على الولايات المتحدة بشكل كامل لأن روسيا قامت بما في وسعها لإنقاذ المعاهدة، وقد حاولنا مرارا وتكرارا لإدخال الولايات المتحدة في حوار مهني. وأضافت الوزارة، إذا راجعت واشنطن مسارها التدميري وعادت للالتزام بالمعاهدة، فنحن منفتحون لحوار حقيقي حولها وكذلك حول كافة القضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي على أساس من الثقة المتبادلة والاحترام، ومراعاة المصالح لكلا الطرفين ومصالح المجتمع الدولي.
وفي موقف محاب لسياسة الغطرسة الأميركية جدد الناتو تحميل روسيا المسؤولية عن تعطل المعاهدة ، وقال متحدث باسم الحلف لوكالة نوفوستي في تعليق على إعلان روسيا وقف التزامها بالمعاهدة: انظروا إلى بيان مجلس الناتو حول عدم امتثال روسيا لمعاهدة الصواريخ، والذي تم الإعلان عنه في بروكسل في الـ1 من شباط الجاري.
وورد في بيان الحلف الذي أشار إليه المتحدث، أن روسيا ستكون مسؤولة عن وقف العمل بمعاهدة الصواريخ إن لم تنزع صواريخها 9M729 خلال نصف عام وبطريقة يمكن التحقق منها، ودعا الحلف روسيا إلى «استغلال المهلة الممنوحة لها في ستة أشهر للعودة إلى الالتزام بالمعاهدة، معربا عن تأييده للقرار الأمريكي تعليق العمل بالمعاهدة.
وفي ردود الفعل الدولية أعلنت الصين معارضتها انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة ودعت موسكو وواشنطن لتسوية الخلافات في هذا المجال عبر الحوار.
من جهته قال وزير الخارجية الإسباني جوزيب بوريل إن تعليق العمل بالمعاهدة يعتبر من الأنباء السيئة، ويضيف عدم الاستقرار إلى الوضع السائد في العالم. وكتب بوريل في تغريدة على تويتر: تعليق أحد أهم الاتفاقيات النووية التي وقعت خلال الحرب الباردة، يعتبر خبرا سيئا، وهو يضيف عدم الاستقرار إلى السيناريو الدولي.
وفي تعليق الخارجية الألمانية على نبأ خروج روسيا مع المعاهدة، قال مصدر في الوزارة، إن هذا التصرف، لم يثر الاستغراب، لأن المعاهدة، تفقد عمليا قوتها في حال انتهاك بنودها من قبل أحد الأطراف.
كما أعربت وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل عن قلق بلادها إزاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من المعاهدة، وعبرت عن أسفها من أن مبدأ القانون الدولي القائم على الالتزام بالمعاهدات لم يعد يتم الامتثال له بنفس القدر.
من جانبه عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على لسان المتحدث باسمه ستيفان ديوجاريك عن أمله بأن تحل روسيا والولايات المتحدة الخلافات القائمة بينهما من أجل الحفاظ على المعاهدة، مشددا على الدور الهام الذي تلعبه هذه المعاهدة السوفيتية-الأمريكية، في الهيكلية الدولية للتحكم بانتشار الأسلحة.
وكالات – الثورة
التاريخ: الأحد 3-2-2019
رقم العدد : 16899