تتحرك منظومة العدوان على سورية في كل الاتجاهات الدبلوماسية والعسكرية لترسخ شيئاً ما يخدم مصالح إسرائيل (محمية الغرب في المنطقة)، في سعي محموم لإضعاف كل من يفكر بمقاومتها كي لا تعود الأراضي العربية المحتلة ولا تعود حقوق الفلسطينيين، تمهيداً لاستكمال المشروع الصهيوني.
الولايات المتحدة تعقد اليوم وغداً ( الأربعاء والخميس) في وارسو مؤتمراً دولياً تحت مسمى تعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط، ولكن الرؤية الأميركية ستنصب لأقصى درجة ممكنة من أجل الضغط على إيران وتقديم دعم قوي لإسرائيل.
وقد تفاخر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو منذ أوائل كانون الثاني الماضي عند الإعلان عن هذا المؤتمر، بحلفاء أميركا الذين يشاطرونها نفس الهدف وهو زعزعة استقرار إيران وكل دول محور المقاومة، وستوسع واشنطن في وارسو جدول الأعمال ليشمل قضايا أوسع تتعلق بمزيد من الحروب في المنطقة.
نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ووزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت سيحضران القمة لاعطائها زخماً أكبر، ومن بين المسائل المطروحة للبحث «معالجة» الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في اليمن، وثمة شعارات براقة أخرى تخفي الأهداف الحقيقية والسرية للعدوان الأميركي على دول المنطقة مثل كيفية التخلص من إرهابيي داعش أو نقلهم أو إعادتهم إلى أوطانهم.
ممثلة الاتحاد الأوروبي الدبلوماسية فيديريكا موغيريني رفعت من جانبها شعارات حول ما يسمى التزامات أوروبية، ولم تنس أن تعلي من شأن «العلاقات الوثيقة» أكثر من أي وقت مضى مع الولايات المتحدة بخصوص مواجهة روسيا، وهذا ما ينبئ بأن المؤتمر بامتياز هو ضد إيران وروسيا، ومن المرجح إعادة فتح ملف الاتفاق النووي مع إيران لتوفير سهولة لأميركا في فرض العقوبات الرامية لخنق الاقتصاد الإيراني، والضغط على طهران لمنعها من دعم الاقتصاد السوري وخاصة في مسألة إعادة الإعمار، وفي الإطار ذاته يأتي وصول وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة، باتريك شاناهان، إلى بغداد، في زيارة لم يعلن عنها البنتاغون مسبقاً.
المفارقة هنا أن تنظيم داعش لم يعد على لوائح أميركا الارهابية، بل تريد أن تحول صفحات الإرهاب العالمي إلى مسمى «جهاد» لتفادي مشكلة معقدة حول مصير آلاف الدواعش العائدين إلى بلدانهم بعد أن انخرطوا لمصلحتها في الحروب والصراعات على الجبهات غير التقليدية، وواشنطن تطلب التعاون الدولي بخصوص هؤلاء لضمان عدم ممارستهم الإرهاب على مستويات مختلفة في بلدانهم.
وتفكر العديد من الدول الغربية بشأن مصير مواطنيها الذين سافروا إلى سورية للمشاركة في الحرب بالوكالة تحت لواء تنظيمي القاعدة وداعش وغيرهما ممن هي أقل أهمية وأقل فعالية، ولذلك تحث الولايات المتحدة الدول الغربية بقيادة فرنسا على الترحيب بمواطنيها الإرهابيين العائدين من سورية، والذين لم تعلمهم نغمات النشيد الفرنسي (المارسييز) معنى (العدالة والحرية والإخاء) قبل تجنيدهم مرتزقة إرهابيين في مهمتهم القذرة في سورية. ومن المعروف أن عدد المرتزقة أو الإرهابيين الغربيين في صفوف المنظمات الإرهابية يتفاوت عن قصد في حسابات أجهزة الاستخبارات والأمن الغربية فكلها أعداد تقديرية، لتبرأ نفسها من تجنيدهم ونشرهم كفيروسات أو جراثيم قاتلة في سورية وتسخير وسائل التواصل الاجتماعية لهم من اجل سهولة التواصل ونقل الأفكار بينهم.
وفرنسا تدرس «كل الخيارات» لتجنب وقوع هؤلاء في الأسر لدى روسيا أو سورية، وتريد عودتهم، من أجل منع الحقائق من الانكشاف، فكل معلومة ينطق بها الإرهابي في التحقيقات أو في وسائل الإعلام ستجعل حكام الغرب يدفعون ثمن الفضيحة غالياً أمام شعوبهم على الأقل، ولهذا تحاول الدول الغربية إلحاق هؤلاء الإرهابيين ببرامج «الاندماج» أو غيرها من التدابير الرامية إلى منع وقوعهم في إياد تكشف الحقائق التي تنطوي عليها مهمتهم في سورية.
أميركا تشجع أوروبا على إعادتهم بأسرع وقت لأن الوقت برأي مسؤوليها يضيق، بينما هي تريد تصفية البعض منهم ممن يستسلم لها، وخاصة أولئك الذين لم تستطع الاستخبارات ضبطه وإدارة نشاطاته الإجرامية، وكي لا يتحول إلى أسير أيضاً، وكي تسد ذرائع الشعوب الغربية التي ستطالب بمحاكمتهم، الأمر الذي سيكشف حقائق مذهلة، وفي هذا الإطار أوعزت واشنطن لميليشيا قسد أن تقوم بعملية الإعدام لهم بالترافق مع عمليات جوية أميركية تستهدف المواطنين السوريين، وآخرها مجزرة الباغوز بريف دير الزور، فيما أعين الأمم المتحدة مغمضة لا ترى شيئاً، وهو الفصل الأخير من مسرحية «إنهاء وجود داعش في شرق الفرات في سورية» لإحلال قسد مكانهم قبل الخروج الأميركي من سورية ومساعدتها في مشروعها الانفصالي بإشراف أميركي إسرائيلي، عبر تهجير بقية السورين منها، في حين يحاول العدو الصهيوني جر سورية إلى حرب جديدة لإشغالها عن تحرير إدلب وشرق الفرات.
العدوان الأطلسي على سورية لم ينته بعد، فأميركا تخادع وفرنسا تلحقها بالخداع عبر الحديث عن مناقشة سحب القوات الفرنسية من سورية، فيما تقول ألمانيا إنها ستدعم تلك القوات، فواشنطن لا تزال تريد تقسيم سورية، وقد كشفت مصادر عن قيام قوة أميركية بالتحرك من إحدى قواعدها في الأنبار العراقية باتجاه العمق السوري، إذاً هي لا تقوم بسحب قوات بل بإخراج وحدات وإدخال وحدات أخرى مكانها عبر منفذ طربيل ومن ثم إلى التنف السورية.
أميركا وحلفها يسابقون الزمن للتخلص من أدلة تورطهم في تشغيل الإرهاب، كي يستطيعوا استخدامه مرة أخرى في مكان آخر، ويحاولون استباق قمة سوتشي وما يمكن ان ينجم عنها من وضع النقاط على الحروف، وخاصة أن قرار تحرير إدلب بات شبه محسوم، بعد المراوغة التركية في تنفيذ اتفاق سوتشي والطموحات الجديدة في شرق الفرات، ومعلوم هنا أن النفاق التركي قد أدى إلى تمكين جبهة النصرة الإرهابية من القيام بعملية ميدانية واسعة تمددت فيها على حساب الفصائل الإرهابية الأخرى في إدلب وريف حلب الغربي بانتظار التطورات القادمة.
منير الموسى
التاريخ: الأربعاء 13-2-2019
رقم العدد : 16908
السابق
التالي