سيطول الإطراء الإسرائيلي عمّا تحقق في وارسو، وستطول الافتراضات عن كل ما حدث رغم أن الكثير منها لا طاقة له على تحميله أكثر مما يحتمل، في حين سينكفئ الأعراب المشاركون عن تبرير فعلتهم، وحصادهم الوحيد كان صورة تذكارية عن طاولة جمعتهم جنباً إلى جنب مع نتنياهو، حيث ستبقى قرينة على دورهم الوظيفي المهين تصلح للمحاججة لعقود طويلة.
فصول المهزلة في وارسو لم تنتهِ، ولا تزال الكثير من المشاهد الإضافية أو الملحقة بها تتواصل حتى بعد انتهاء المؤتمر، وقد تكون الأكثر فضائحية ومدعاة للسخرية، في ظل ترويج أميركي لا يقل هزلية وهو يحاول عبثاً التغطية على ضحالة التمثيل الأوروبي في المؤتمر، والفتور الذي لاقاه من المشاركين عموماً، حيث الحماس الذي يبديه البعض اقتصر على الإسرائيلي والعلاقة معه، وما عداه اجترار في لعبة العبث الأميركية.
اللافت أن كل المقاربات التي جرت كانت أقرب إلى التوسل السياسي، مع لغة تحريض ارتفع منسوبها إلى الحد الذي دفع بكثير من المراقبين إلى الحديث عن مستوى من الكراهية لم يسبق لمنصة أن شهدت ما يماثله، بينما يحاول الأميركي أن تكون منصة دعائية لإعادة انتخاب نتنياهو.
وحدهم أعراب الخليج كانوا المأخوذين بالدهشة التي غطّت وجوههم وتركتهم عراة حتى من ورقة التوت، حيث التغطية السياسية التي اعتقدوا أو راهنوا على وجودها كانت وهماً إضافياً من أوهام التورّم الأميركي، وكانت أميركا سباقة إلى طلب تغطية لم تحصل عليها حين غابت السلطة الفلسطينية عن المؤتمر!!
دبكة العميان التي أداها الأعراب، راح نتنياهو يقيس على مساحتها، بدت الخطوة فيها مرتبكة أكثر من سياقها السابق، وحتى البلد المضيف لم ينجُ من تطاولاته وهرطقاته، حين كانت بولندا في مرمى نيرانه، ولم تكن التوضيحات التي قبلتها الرئاسة البولندية أقل هرطقة مما تفوه به نتنياهو.
مؤتمر المفلسين الذي كان يُراد له أن يكون فرصة للتعويض جاء على غير ما أراد الأميركيون، وعلى غير ما توقعه عرابو الصفقة، بدليل الحصيلة المتواضعة التي خرج بها، والتي اقتصرت على محفل للترويج وحفل علاقات عامة أقرب إلى المحفل الانتخابي المسبق، الذي يستثمر فيه نتنياهو أصوات متشدديه ومتطرفيه، حين كانت صور الجلسات المغلقة يتداولها الأميركيون تحت عناوين تعوّض لنائب الرئيس الأميركي حضوره اليتيم.
وما عداه كان إضافة من خارج النص، والهرولة فيها جاءت لتأكيد المؤكد ولسحب ما هو متداول من النص، بحيث فاضت الجلسات المغلقة والمفتوحة على تبادل التحيات والأنخاب على الحساب الفلسطيني فيها حتى إشعار آخر.
فالأعراب الذين أجادوا دبكة العميان لم يكتفوا بالصورة التذكارية، ولا بأحاديث أسهبت في شرح مساحة الدفء مع الإسرائيلي، والحنين إلى التعبير عن عواطفهم بعد طول كبت، بل عمموا -ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا- صورة البحث عن نيل الرضا الأميركي بأثمان وجودهم والحفاظ على كراسيّهم المهدورة شعبياً..!!
الافتتاحية
بقلم رئيس التحرير علــي قـاســـم
a.ka667@yahoo.com
السابق
التالي