الملحق الثقافي:
قوبل معرض السريالية عام 1936 في لندن بعاصفة من النقد الجارح والتهكم ومحاولة الإساءة للفنانين المشاركين فيه، وتلخص النقد والتشويه بعبارة «لا جديد تحت الشمس»، إلا أن فئة قليلة من الناس الجادين كانوا مناصرين لهذا الفن، وقد أثبتت مناصرتهم هذه صدق السرياليين بعد حرب عالمية حملت معها الموت والدمار والتشرد، وزرعت اليأس في نفوس الناس والفنانين على السواء.
عمدت السريالية وذلك من خلال رؤيتها الثاقبة للمستقبل، إلى رفض التنظيم الاجتماعي السائد، الذي كان يخبئ بين ثناياه كوارث البشرية. ومن ثم حاولت السريالية تصفية الكلاسيكية، لأنها غير ملائمة لهذا العصر، ولأنها تقوم بدور المخدر وتتناقض مع الخلق والإبداع، ولذلك فهي تمثل قوى الظلم والرجعية، وتحافظ على مصالح الطبقة المسيطرة. فالكلاسيكية ليست سوى نسخة فكرية عن الطغيان، وقد كانت كذلك في العالم القديم وفي إمبراطوريات العصور الوسطى، ثم استمرت كذلك في ديكتاتوريات عصر النهضة. ومنذ ذلك الحين وهي تمثل العقيدة الرسمية للرأسمالية. ولم يهمل السرياليون بعض الفنانين الذين كانوا كباراً في ذلك الزمن، بل أشادوا بهم واستثنوهم من قائمتهم.
وللحفاظ على الإرث القامع الكلاسيكي، استمر النقاد الأكاديميون بمحاولة بث الحياة في هذه الجثة المحنطة، وكما يقول كارلايل عن الكلاسيكي بأنه أصبح تقليدياً وأن المطامح الروحانية قد أقفرت والدوافع الدنيوية قد سجنت. إن هذه الكلاسيكية هي كبح للغرائز من أجل مجموعة من القيم والمثل، ولذلك فإن الرومانتيكية – التي هي أساس السريالية – كانت ثورة على القيم والمثل، وذلك عبر انطلاق الفنان للتعبير عن مشاعره وأفكاره، وطرح معلوماته عن أسرار النفس البشرية المدفونة في أعماق الإنسان والتي لا تستطيع سوى حاسة الفنان أن تكشف النقاب عن حقيقتها. وهكذا تكون السريالية إعادة تأكيد للمذهب الرومانتيكي، بإعلائها من قيمة اللاشعور في الإبداع الفني. فهم – أي السرياليين – وبمساعدة علم المنطق وعلم النفس الحديثين وباسم ماركس وفرويد وجدوا أنفسهم في وضع يمكن لهم من خلاله أن يبنوا معتقداتهم وأعمالهم على أساس علمي، معتمدين على قوانين الطبيعة الديناميكية.
يؤكد الفنان السريالي على أهمية التعبير الآلي في بعضه وليس كله، فهو بحاجة إلى أن يترك لفيض أفكاره ومشاعره أن تتدفق، وفي الوقت نفسه فهو يختزن داخله موهبة فذة، تخوله لأن ينتج عملاً جديداً جمالياً، وهو تعبير عن درجة أرقى من تطور الإنسان. وقد خلخلت السريالية المظهر الجماعي للكبت والوهم البشري، الذي أنتج الحروب وأوصل الجسد البشري إلى التحطم والإنهاك.
تبنت السريالية اتجاهاً ثورياً، واحتجت على الظلم وعدم الإنسانية، ولم تنجرف مع العقل إلى آخره، ولا إلى العاطفة حتى نهايتها، فهي ضد الاثنين معاً، مع أنها تبني أسسها على العناصر الأساسية للعلوم الطبيعية وعلم النفس، فعلماء الطبيعة يؤكدون أن الكون بأجمعه في حالة تغير مستمر، والديالكتيكية ليست سوى تفسير منطقي لكيفية حدوث هذا التطور. وقد استخدم السرياليون المنطق الديالكتيكي في إطلاق ثورتهم، عبر خلق توازن بين عالم الحقائق الموضوعية وعالم الأوهام الذاتية.
أعلنت السريالية أنها لا تحترم أي تقليد أكاديمي، وبشكل خاص التقليد الكلاسيكي الرأسمالي الذي ساد طوال القرون الأخيرة. وترى السريالية أن هذا التفكير قد أعاق النبوغ لدى أبناء العصر. وكل ما فعلته السريالية أنها فتحت باباً جديداً للإبداع، تجاوز كل ما سبقها، وألقت بحملها الفني الكبير على مساحة الفن العالمية، وأصبحت حركة فنية أساسية في تطور الفنون اللاحق.
التاريخ: الاثنين19-2-2019
رقم العدد : 16912