المرشد السياحي

الملحق الثقافي-قصّة: ناتاليا فارينيك – ترجمة-د. ثائر زين الدين:

«أيعقل أنّك ما زلتَ تأمل في إيجاد صديق حقيقي في هذا العالم الفاسد، والقاسي، والدنيء؟ أيعقل ألا تكون الحياة قد علّمتك شيئاً؟ لا تبحث عنه في الحشد، بين الرجال والنساء، وفي كل محتال تصادفه. هناك فرصة واحدة فقط – أن تُلِدَ لنفسك صديقاً، حينها لن تكون وحيداً»
(كاتب مجهول بداية القرن 21).

1
كان عددُ الزوّار قليلاً في صالاتِ متحفِ الكتبِ التذكاري المعتمةِ الضخمةِ.
أعاد يانيس بذهول قراءة أسطرٍ في مجلّد قديمٍ جداً، تحرّكتْ شفتاهُ بسبب التوتر بصمت.
لم يفهم تماماً فكرة القول، لكنّ المؤلف القديم أصاب الهدف مباشرة. يانيس لم يستطع إيجاد صديق، وهذا كان ألمه العميق المخفي.
لم يحاول زملاؤه في مركز التقنيات العالية للنجوم، ولا جيرانه في التجمّع السكني للمنامة، البحثَ عن أصدقاء. ما كان لديهم أصدقاء أبداً، مرّ يانيس أحياناً برفقة أحد زملائه لتناول القهوة بعد العمل، أو لعب التنس مع الجيران في الحديقة أمام المبنى. وقد كانت وجوه هؤلاء الناس لطيفة- باردة، وأفكارهم- عقلانيّة. لكن هذه لم تكن صداقة، مثلما لا يمكنك مقارنة كأس الماء الشفاف الذي لا طعم له بكأس النبيذ…
قرّر يانيس ذات مرّة أن يتوجّه إلى المعبد الرئيس، وفعل.
جذبت النظرَ قبةُ المعبدِ الساطعةُ ذاتُ الهوائياتِ صلبانيّة الشكل، لكنّ الزوّار حاولوا القدوم والخروج من المكان دون أن يلاحظهم أحد، ذلك أن كل واقعة زيارة للمعبد سبّبت دهشة الناس المحيطين وفضولهم. فقد كان الزوار يأتون إلى هنا في حالات استثنائية تتعلّق بأكثر الأسئلة خصوصيّة.
خطا يانيس بخجل في قاعة ضخمة، وشمّ مباشرة رائحة بخّور غير عاديّة. أضاءت على الجدران رسوماتٌ مدهشة لتاريخ نجوم البشرية، أمّا القبّة فقد ارتفعت عالياً وذابت في رحاب السماء.
دخل إلى القَمرةِ غير المشغولة، المكان الذي لا يزعجُ الزائرَ فيه أحد، وشغّل الشعاعَ الخارق. انطلق الشعاع المبهر بسرعة إلى الأعلى، تحت القبة مباشرة، حيث سارت الإشعاعات الأخرى، وتشابكت بعضها ببعض. صدح صوت بارد: «تكلّم، يستمعون إليك».
لكنّ يانيس عرف- لم يكن يسمعه أحد، ففي تلك الدقائق كان يتحدّث المئات من الناس الآخرين عن رغباتهم ومصائبهم الأكثر سرّية للمُحكّم المستقل. لم يكن هناك عملياً أيّة فرصة لتلقي الجواب، وهذا ما لم يفهمهُ أحد على كلِّ حال، بالرغم من أنّهم يعتقدون أنّ المحكم المستقل يسمع ويرى كل واحد منهم.
مع ذلك أمل يانيس بأجوبة ما، وبدأ الكلام، محدثاً عن كل ما آلمه خلال هذه السنوات. ثم طلب من المحكِّم أن ينفّذ أمنياته.
سمع صوتاً غريب، بينما كان ما يزال واقفاً في القمرة، وكأنّ سمّاعة هاتف قد رُفعت، وسأله صوتُ رجلٍ عاديّ مُندهشاً: «أتريدُ حقاً أن تصبح مرشداً سياحياً؟».
مسح يانيس عرقه. ولم يصدّق نفسه، لذلك لم يجب ببنت شفة.
سأله الصوت منخفضاً وحائراً مرّة أخرى: «أترغب بالفعل أن يكون لك زورغ؟».
تمكّن يانيس المصدوم أن يقول فقط: «أرغب!».
قال صوتٌ متأمّلٌ خفي:
– لم يتوّجه أحد بمثل هذه الطلبات منذ زمن. لكن هل تعلم- أيّة مسؤولية هذه؟
– أعلم. لكن هذه هي أكبر أمنياتي.
– حسناً، لك ما تريد. لكنك ستخضع للتجربة قبل ذلك…
ساد الصمت، وعرف يانيس تماماً، بأنّ المحكم المستقل لم يعد يسمعه. أطفأ الشعاع الثاقب بصمت وخرج من المعبد.
نظر المارّة إليه، لكنه لم يعر ذلك اهتماماً – كان هذا اليوم أهمّ يوم في حياته. لقد عرف، بأنّ المحكم المستقل سينفّذ رغبته – لأنّه لم يكذب يوماً.

2
مرّت أسابيع عدَّة، ثم اتصلوا بيانيس من الجمعية العالمية للمرشدين السياحيين. ويقع المعقل الأخير لهذه المهنة القديمة في قلب اليونان – في أكروبوليس التي رمّمها الأحفاد حديثاً.
أخبروا يانيس، أنّ بإمكانه المجيء من أجل استلام زورغ – إلى أحد المراكز، الذي يقع في ذلك الجزء من الأرض المُنفصل وغير المأهول.
ركب يانيس مركبته المُجنّحة، دون أن يقول كلمة لأحد، وطار باتجاه الجنوب، ووصل إلى ذلك المركز بالذات، خلف صحراء محروقة واسعة، هناك حيث يستطيع أن يختار لنفسه زورغاً، حَلُمَ به منذ زمن طويل.
هبطَ بعد طيران شاق، على رصيف المركز، حيث كانت بانتظاره امرأة نحيلة، ترتدي بذلة عمل زرقاء، لخدمة المرشدين السياحيين.
سألت، وهي تنظر إلى يانيس باستغراب: «هل رأيت يوماً ما من قبل زورغاً عن قرب؟».
اعترف بصدق:
– لا.
تردّدت المرأة لحظة، وكأنّها أرادت أن تقول عبارة ما، لكنّها لم تقل، وأدخلت يانيس بصمت إلى غرفة نصف مظلمة. توضّعت على مساحة الجدار بأكمله شاشة ضخمة بيضاء. ضغطت مرافقته على أحد الأزرار، فبدأت الشاشة تُضيء، متحوّلة إلى نافذة شفّافة كبيرة…
حبس يانيس أنفاسه: الصورة، التي انفتحت أمامه عرّضته لصدمة. رأى حديقة المركز الضخمة. وعشباً أخضر- باهراً وأوراق نخيل عريضة، تتمايلُ تحت هبّات ريح حارّ رطب، وازرّقت في البعيد فسحة لا حدود لها من المحيط، وتناثرت على الألواح الحجرية للشاطئ أمواجٌ شفّافة.
لكن ما أثارَ دهشتَه ليس ذلك الجمال العجيب، ولا تلك الصحراء غير الاعتيادية المحروقة بالشمس عندما طار فوقها. بل كائنات عجيبة، تشبه النساء والرجال الكبار في السن، وبشكل مصغّر، تلعب على العشب وممرات الحديقة. نظر يانيس بذهول إلى أرجلها الطويلة ورقابها المديدة المتدلّية. كان بينها نُسخٌ كبيرة، وأخرى صغيرة جداً- تهادت بشكل مُضحك على أرجل قصيرة وغالباً ما كانت تتساقط على الأرض، وتصرخ بصوت عال…
من غير المعروف كم من الوقت استغرق يانيس قبل أن يصحو.
سألته المرشدة السياحية بنوع من الشك:
– هل ستذهب لاختيار زورغ لنفسك أم لا؟
جفل يانيس، ثم أجابها:
– سأذهب.
اجتازا عملية تطهير في ممرّ خاص، ثم خرجا إلى الممرّ الرئيس للحديقة.
اندفعت الكائنات الصغيرة، عندما شاهدت البذلات الزرقاء للمرشدين السياحيين، نحوهما، وأحاطت بهما حلقة كثيفة. شعر يانيس بتنفّسهم وبرائحة حليب غريبة، تفوح منهم، ورأى جلداً شفّافاً ذا عروق زرقاء وشعر زُغبيّ، يشبه ريش فرخ الطير.
فجأة شعر بلمسة.
ارتعش، وحدّق في يده، التي مسكها جيداً زورغ صغير، يبتسم مسالماً. التقت عيناهما، وأدرك يانيس، بأنّ الخيار وقع عليه.

3
جلس يانيس بارتياح، بعد أن أنهى الإجراءات الروتينية، خلف واجهة قيادة مركبته. لكن شيئاً- ما لا يدركهُ قد تغيّر- أحسّ نظرة زورغ، وقد جلس على المقعد الخلفي في ظهره. ضغط على ذراع الحركة بصمت، مُدركاً أنّ لا طريق إلى الخلف، وأقلعا مغادرين.
أصبح الوقت مساء. غربت الشمس خلف النافذة، ولاحظ يانيس، بأنّهما يطيران فوق مساحة الصحراء الفاصلة، التي خلت من الناس منذ مئات السنين. وهي محروسة من قبل الجهات الحكومية، حيث تشكّلت منطقة ميّتة بعد كارثة مروّعة من صنع الإنسان، ومُنع وصوله إلى هذه المواضع منعاً باتاً.
هدرت أجهزة التحكم الآلي مهدهدة، وغفا يانيس لفترة قصيرة.
استيقظ بسبب شعور فجائيّ بالخطر: أضاءت أجهزة القيادة بأضواء غير اعتيادية مخيفة، شيءٌ- ما نقر وطقطق. التفت يانيس إلى المقعد الخلفي: نظرت إليه من شبه الظلمة عينان ضخمتان خائفتان. صمت زورغ، وشعر يانيس في هذا الصمت خوفاً من الكارثة المُحدقة.
أدرك بعد أن فحص الأجهزة أنّ أمراً ما قد حصل. لم يتعرّض في حياته لمثل هذه الحالة أبداً: أجهزة التحكم الآلي في المركبة لم تتعطل عملياً من قبل، لذلك لم تكفِ معارفه المتواضعة لتشغيل القيادة المستقلة. ضغط زرّ الاتصالات اللاسلكيّة. أجابته طقطقة هادئة وصمت.
فهم يانيس، بأنّهما وحيدان- فوق صحراء ميّتة، تمتدُّ من الأفق إلى الأفق. نادراً ما زارت المركبات هذا الجزء من الأرض، لذلك كان لا يمكن التعويلُ على لقاءِ أحد مصادفة. وحراسة هذه الصحراء في مناطق الحدود فقط- لم يكن في هذه المساحة الضخمة أيُّ كائن حيّ.
بدأا ينخفضان بسرعة، وكان عليهما الاختيار- إمّا محاولة الهبوط، وإمّا الانتظار، حتى تصطدم المركبة بالرمل الأشقر، المغطى بنباتات غريبة شائكة.
قرّر يانيس الهبوط الاضطراري، جامعاً كل ما يعرفه حول هذه الحالة. زورغ راقبه بصمت، وشعر يانيس فجأة بإحساس المسؤولية، التي لم يجرّبها من قبل.
ضغط حدساً على الأذرع والأزرار، وراقب خائفاً الأجهزة. وعندما أغلق عينيه استعداداً للصدمة، استقامت المركبة، وتصاعدَ تجويف فضيّ على الرمل.
وتنفسَ الاثنان الصعداء في آنٍ واحدٍ.
مسح يانيس العرق عن جبينه بيديه المرتجفتين وفكر: الهواء الأوتوماتيكي في غرفة المركبة يكفي لساعتين، ليس أكثر. والاتصالات لا تعمل كالسابق، والأمل بأنّ يكتشفهما أحد، يبدو معدوماً. وعليهما السير، والصحراء القاحلة، التي قتلت كل شيء حيّ، امتدت خلف الكوّة.
فتح يانيس حجرة الطوارئ- كانت هناك بذلة إنقاذ واحدة فقط، والظلام قد حلّ خلف النافذة، وتدنّت الحرارة بسرعة.
تحرّك زورغ في الخلف، وانزلق ظل بهدوء بين المقاعد، شبّث بها جسمه الدافئ الصغير.
فتح يانيس البذلة بصمت وألبسها لزورغ، سحب وأغلق الأكمام الطويلة والسروال. ثم ارتدى هو كل شيء، كان يمكن ارتداؤه، إضافة إلى البطانية وغطاء فرش المقاعد، الذي لفّه تحت السترة.
فتح باب المركبة وتنفّس الهواء، استعد للأسوأ، لكنّه شعر فقط بالبرد ورائحة الهواء الرملي الغريبة.
أضاءت فوق رأسه النجوم بسطوعٍ غير اعتيادي، وتحوّلت النباتات الشوكيّة في العتمة إلى أشكال حيوانات خيالية، يُسمع حفيف أوراقها الحادّة.
ألقى يانيسُ زورغاً على ظهره ومشى ببطء في الصحراء إلى تلك الجهة، حيث يجب أن تكون الحدود الأقرب.
سارا فترة طويلة جداً، متعثرين على الرمل، تخمشهما النباتات الصاعدة من الأرض، لكن يانيس شكر مصيره، لأنّهما لم يلتقيا بمتحوّلات ولا بشرّ من أي نوع، فالصحراء كانت غامضة ومجهولة.
هُيّئ له أحياناً، أنّه أخطأ في الاتجاه، ثم تحقّق من ذلك مسترشداً بالنجوم، واندهش بها- كم هي مشرقة وساطعة. ما عاد يحسّ بيديه ووجهه بسبب البرد القارس، وأصابه الوهن، لكنّه أصرّ على الاستمرار حاملاً زورغاً على كتفيه.
عندما خارت قواه، تعثّر فجأة بشيء صلب.
رفع عينيه، ليرى جداراً مظلماً، منتصباً أمامه.

4
مضت دقائق عدّة، قبل أن يتمكن من تهدئة قلبه الذي خفق بشكل جنوني. ثم حاول يانيس أن يستجمع أفكاره. فهو لم يسمع من قبل، بوجود أبنية في الصحراء. والمعلومات حول الصحراء كانت عموماً قليلة جداً- فقد نسي الناس الكارثة وهذا المكان المهمل منذ زمن بعيد.
استنتجَ يانيس بعد أن تلمّس الجدار بيديه المهتزّتين، بأنّه قديم جداً- فمثلهُ في التجمّعات السكانية القديمة. سار ببطء بمحاذاة الجدار، وهو يمسك زورغ بيد واحدة، محاولاً إيجاد فتحة أو صدعٍ، أو مدخل- ما.
سار على هذا النحو، حتى وجد جزءاً من الجدار ينحني إلى الداخل، وأدرك، أنّ هذا باباً غير مُقفل.
تردّد لحظة، ثم خطا إلى الأمام- في جميع الأحوال، لم يكن أمامها عملياً هو وزورغ أيّة فرصة للنجاة.
في الداخل ثمّة عتمة غير مسبوقة. بدأ يانيس يتلمّس الجدار من الداخل، وتذكر كل شيء يعرفه عن سكن الناس القدماء: ثُبّتت في زمن ما على الجدران مفاتيحُ للإنارة، واستبدلوها فيما بعد بأنظمة أوتوماتيكية. كان من السخف التفكير، أنّ ثمّة إضاءة في البناء، لكنّ يانيس تابع مع ذلك تلمّس سطح الجدار.
اصطدمت يده فجأة بحفّة ما، فضغط عليها بحذر.
تكتك شيء ما، وانسكب في المبنى ضوء مبهر.
للحظة، لم يعد يرى شيئاً، وارتجف زورغ في يديه.
عمل على ما يبدو، نظامٌ مستقلّ للإنارة – قد يكون للطوارئ، حافظ على نفسه بأعجوبة.
نظرا حولهما ببطء. كان ذلك سكنٌ للناس، تُرك على عجل- دلّت على ذلك الأشياء المبعثرة في كلّ مكان. كلّ شيء مُغطى بطبقة من الغبار، لكن المكان لم يتعرّض للسرقة، والأهم أنّه كان دافئاً. لذلك أقفل يانيس الباب خلفه بإحكام.
وضع زورغ على الأرض وتابع سيره إلى الأمام- فمن يدخل أولاً، يكون مستعداً لتلقي الخطر على نفسه.
تفحّص يانيس بنظره دهشاً، وهو ينتقل من غرفة إلى أخرى، الأثاثَ القديم وأدوات المعيشة، التي عرف عنها في معروضات المتاحف وفي الكتب فقط.
حتى أنّه وجد آلة موسيقية قديمة، نفض عنها الغبار بعناية. ثم وضع الغطاءَ جانباً، وضغط على المفتاح وتجمّد جرّاء الصوت الغريب، غير المعتاد.
كان كل شيء في البيت غير منطقي – خرداوات لا حاجة لها على الرفوف، تناثرت في الفضاء المرئي، وسائد على الأرائك ومناديل محاكة على الرفوف…
لكن أكثر ما أثار دهشة يانيس هو تلك الصور على الجدران، وقد سمّاها الأجداد باسم يثير الدهشة «صور فوتوغرافية».
حملق يانيس طويلاً فيها.
نظر إليه الناس من الصور المُصفرّة، يجمعهم شيء مشترك. كانوا يشبهون بعضهم بعضاً. لكن الأهم- أنّهم من عمره، يمسكون في أيديهم زورغيين. وبينهم أيضاً أناس غريبون لهم شعر أبيض ووجوه متغضِّنة لم يصادف أن شاهدها يانيس من قبل. وأدرك بفطرته الداخلية، أنّ هؤلاء الناس لم يذهبوا إلى وادي الأحزان…
كلّما حدّق يانيس أكثر في وجوه الناس، شعر بغصّة باردة غريبة في صدره، صعدت تدريجيا إلى الأعلى، ووصلت إلى حنجرته.
لقد وحّد هؤلاء الناس القدامى ليس فقط المظهر الخارجي، بل شعور غير مرئي من قبل يانيس، لكنه حدَّدهُ بشكل حدسيّ إنّهُ- الحب.

5
حصلت مُعجزة- تفعّل اتصال جهاز التحكم الآلي في قمرة القيادة المشوّهة بعد يومين من الصمت.
قلب هذان اليومان اللذان أمضياهما في مسكن الناس القدماء، في قلب الصحراء المحروقة، روحَ يانيس رأساً على عقب.
لقد انغمس مع زورغ في عالم الماضي غير المألوف لهما، واستوعبه وامتصّته كل خلية من كيانه…
وجدهم المنقذون الذين وصلوا على متن مركبة الطوارئ، صامِتَين يربطهما بطريقة ما وعيٌ مشترك. وكان هذا الوعيُ أقوى من أيّة علاقات أخرى، فقد وحّدَ إلى الأبد ما بينَ كائنٍ صغير له جلدُ رضيع، تتخلله عروقٌ زرقاء، ويانيس الحالم غريب الأطوار.
بداية، كان مستغرباً وغير عاديٍ بالنسبة إلى الجيران في التجمع السكني والزملاء في العمل، أن يروا يانيس يحمل بأحزمة على كتفيه صديقه الصغير.
فيما بعد اعتادَ الجميعُ على ذلك وتوقفوا عن الاستغراب.
أمّا عند يانس وزورغ فقد بدأت الحياة الجديدة لتوّها.
قاما كل يوم برحلة مدهشة. وكان يانيس يروي لزورغ الآف القصص المضحكة، ويقرأ له الكتب المفضلة، المجلوبة من المستودع، ويطلعه على المناطق المفضلة من الكرة الأرضية…
تنفسا هواءً واحداً، وشربا من مصدرٍ واحد.
وعندما حان وقت يانيس للتوجّه إلى وادي الأحزان، رفعه زورغ الذي نما ونضج على كتفيه وأوصله إلى حدود ذلك الوادي مباشرة.
وكان يانيس، كالطفل الصغير، يعانقه بيديه الضعيفتين…

ناتاليا فارينيك: كاتبة أوكرانيّة، عضو الاتحاد الوطني لكتاب أوكرانيا واتحاد الكتاب الروس. ألفت ستة كتب صدرت في أوكرانيا وروسيا: «الفتى بعيني»، «الروح ليست واحدة»، «قصائد عن الحب»، «المغتربون» (مختارات، وقصص قصيرة)، «متلازمة نقص الطاقة: معركة من أجل المستقبل» (الطاقة الحيوية)، «هذه المصفوفة تنظر في عينيك» (أدب الخيال العلمي).

التاريخ: الاثنين19-2-2019

رقم العدد : 16912

آخر الأخبار
غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا "The Voice Of America": سوريا تتعهد بالتخلص من إرث الأسد في الأسلحة الكيماوية فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا استفزاز جامعة دمشق تختتم امتحانات الفصل الأول حين نطرح سؤالاً مبهماً على الصغار تكلفة فطور رمضان تصل إلى 300 ألف ليرة لوجبة متواضعة