الملحق الثقافي-نجلاء الخضراء:
الحكاية الشعبية أحدوثة تتميز بالخيال الشعبي ويتم تناقلها شفوياً من جيل إلى جيل، وقد اعتدنا على تناقلها عن طريق الجد والجدة أو في الاجتماعات والمقاهي أوفي خيمة زعيم القبيلة، وهي تتحدث عن البطولات وحب الوطن والفقر وقلة الحيلة مقابل الذكاء والدهاء، نجد بالحكاية الشعبية خلطاً بين الحقيقة والخيال وحيوانات تتكلم وتتصرف كالإنسان.
وظيفة أخلاقية
الحكاية الشعبية وظيفة أخلاقية وسلوكية لأنها تشتمل على الحكمة والدروس الأخلاقية، ويمكن القول إن كل قصة لها حكمة ونقد في موضوع معين أو صراع بين ميزتي الخير والشر، أما نهاية القصة فهي عادة ما تكون جيدة وذلك بتغلب الخير على الشر وهي مقتبسة من الواقع والعادات والتقاليد والمعناة اليومية وهي ثقافة تنتقل من جيل إلى جيل وتعكس البيئة التي يعيشها القاص.
ليس من شك من أن العودة إلى التراث والاستفادة من الماضي العريق للأمة العربية قد يسهم في تربية النشء بصورة تعمق في نفوسهم العزة والكرامة والطموح تلك الأسس التي قام عليها المجتمع العربي في بداية تكوينه، إلى أن استطاعت الثقافة العربية الإسلامية أن تصقل نفوس أبنائها وتنمي فيهم أواصر الفضيلة والتقدم والازدهار، فكانت اللغة في ذات الوقت العمود الفقري الذي يمنح التواصل والتفاعل حرية التوسع والانطلاق حتى بقيت حارس حضارتنا ومستودع تراثنا الروحي. ومن الثابت أننا لا نملك من أفكارنا وأحاسيسنا إلا ما نستطيع إيداعه في اللفظ الذي يوضح الفكرة ويميز الإحساس(1). لذا اهتم العرب القدماء بتثقيف أطفالهم وتنوير عقولهم فكانوا يرسلونهم إلى الصحراء منذ نعومة أظافرهم، فيتعلمون اللغة العربية من حيث نشأتها بأسلوبها الصحيح من دون أن يشوبه لغط، ويستمعون إلى الحكايات الشعبية والقصص ونظم الشعر وركوب الخيل وحمل السلاح للدفاع عن الأرض والعرض.
دراما تأسر القلوب
امتلكت الحكاية الشعبية خطاً درامياً يأسر القلوب ويشد الأنفس ويواصل الانجذاب. وتحكي بطولات تاريخية مختصرة بتمثيل الحركة في حين كانت تروى بتفصيل الحدث للكبار كقصة أبو زيد الهلالي وعنترة..إلخ، وهناك أيضاً ضمن الحكايات الشعبية حكايات الحيوانات التي يتم الحديث من خلالها عن القضايا الفكرية والإنسانية مثل كتاب كليلة ودمنة الذي يحمل قيماً وفكراً وطرافة وحداثة فيألفها الطفل بسهولة ويسر(2)، إضافة إلى الحكايات الخوارق التي تعتبر من مكونات الحكاية الشعبية تجذب الأطفال لما يجدون فيها من تعبير عن طموحاتهم وأحلامهم خاصة وأنها تنفذ إلى أعماقهم وعقلهم الباطن وتلعب دوراً فاعلاً في إثارة ما يختزن في عقولهم.
عالم المستحيلات هو العالم المحبب للأطفال عندما تحول الساحرة الشريرة البطل إلى حيوان أو طير لذا كان في قصص علاء الدين وعلي بابا والسندباد وقع خاص في نفوسهم، وهذا لا يتعارض مع عصرنة الحكايات الشعبية والانتقال بها من مرحلة الأسطورة الوهمية إلى الخيال الممزوج بالفكر والخيال العلمي الذي هو أقرب لمواكبة الصورة(3). ولكن يجب الحذر والانتباه إلى القصص والحكايات التي تحمل الرعب والإرهاب للطفل الذي يهدد أمنه الداخلي ويضعف نفسيته في مواجهة الأحداث خاصة قصص الغول والعفاريت والجن والشياطين، فهي تسبب له الذعر فيتخيل الأشياء من حوله وكأنها غول يهاجمه. إن تلك الحكايات قاسية على الطفل تقتل فيه مبادئ الحب والجمال والحرية والشخصية والثقة بالنفس(4).
الهدف الأخلاقي
إن الغرض من هذه القصص كان في أساسه خلقياً تعليمياً، إذ رمت تلك القصص لإثارة عبر أخلاقية أو إعطاء مثال للسلوك، فلا تخلو القصة الشعبية من بعد تعليمي أو أخلاقي يتشربه الطفل بصورة غير مباشرة فيترسخ في نفسه بدلاً من الأسلوب الوعظي الذي ينفر المستمع. وقد حملت تلك القصص الكثير من التهذيب الأخلاقي فدعت إلى الإحسان إلى الجار ومنع ضيم الغريب وحسن الاستماع إلى الآخرين والشجاعة والإقدام والتروّي عند الغضب والحكمة وصدق الحديث ومصاحبة الأخيار والابتعاد عن مصاحبة الأشرار(5).
هكذا عمل الموروث الثقافي لصقل شخصيات أطفال مجتمعه وتعزيز ايمانهم بأمجادهم وأمجاد أمتهم والاحتذاء بها. واعتبر أن توالي التذكير بالمواقف والأماكن والشخصيات التاريخية العريقة يمثل إحدى الوسائل الهامة في التغذية الروحية والصقل النفسي وبناء الشخصية على أسس ودعائم سليمة للنهوض بالواقع الحالي ودفعه إلى ميادين التحرر والتطور والازدهار(6). وذلك بإسقاط تلك القصص والحكايات على واقع فلسطين وأهلها، فنجد في تلك القصص ذاك المسافر الذي يتوق للعودة إلى بلده ويقوم بعدد من المغامرات المثيرة لتحقيق هدفه، وبطل آخر يحارب أعدائه، وهناك قصص الحيوانات التي تبني بيوتها على أرضها وتقاتل من أجل قوت يومها…إلخ.
نقل الأفكار
تعتبر الحكاية الشعبية وسيلة لنقل أفكار الانسان ومعتقداته ومعاناته وفلسفتة النضالية في غلاف من التسلية والتشويق بعد ما تناقلتها الأجيال مشافهة بدون أن يعرف لها مصدر، وهي باختصار شديد من أقدر الأنواع الأدبية الشعبية على تمثيل جانب من الحياة والتعبير عن طموحات الشعوب وآماله فضلاً عما تحمله من بطولات تاريخية، والتي يمكننا استخدامها في تعليم الطفل وتثقيفه وتهيئته لحمل الهوية الفلسطينية والدفاع عنها وعن أرضه ومقدساته وتراثه، بعد أن تحظى بالدراسة والتحليل من قبل المختصين والمهتمين والقادرين على نقلها بأساليب صحيحة ومقبولة ومفهومة للأطفال.
هوامش
(1)البدوي. مرزوق، أناشيد الأطفال في الشعر الفلسطيني، أطروحة درجة ماجستير في اللغة العربية، بكلية الدراسات العليا جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2004، ص209
(2)البوجي. محمد بكر، أدب الطفل العربي في فلسطين بين الواقع والطموح، البرنامج الإقليمي لأدب الأطفال العربي، 2011.
(3)السهيل. سارة طالب، أدب الطفل والتراث، أخبار السعيدة، 2يونيو 2012.
(4)يوسف. عبد التواب، الطفل العربي والأدب العربي الشعبي، الدار المصرية اللبنانية، 1992، ص11
(5)حور. محمد إبراهيم، الطفل والتراث، الشارقة، دائرة الثقافة والإعلام، 1993، ص39-41.
(6)البدوي، مرزوق، المرجع السابق، ص293
التاريخ: الاثنين19-2-2019
رقم العدد : 16912