خارج السياق… حين تغدو الأسطورة جذراً للعنف..

لم يكن الانسان على ما يبدو في يوم من الأيام كائنا مسالما, مذ عرف العقل وبدأ بتفسير العالم كان العنف عنوانه, والأمر قبل العمل على تطويع الكون من حوله, كان في مرحلة التوحش التي لايمكن أن تخرج عن دائرة العنف المحيطة به, عنف موجه نحو الطبيعة والعدو, من كواسر وضوار, لايمكن أن تقف محايدا نحوها, لابد أنك قاتل أو مقتول, وفي مرحلته اللاحقة حين غدا كائنا عاقلا, يعني ما حوله, وليس قادرا على تفسيره اختراع أدواته التي يظن أنها تفسر العالم له, وتعطيه إجابات على كل ما يراه حوله.
غضب الطبيعة من مطر غزير, إلى فيضانات, وزلازل وما في القائمة الطويلة, وقف الانسان عاجزا أمام تفسيرها بشكل منطقي, فكان لابد له من تفسير على الأقل يركن إليه, ويتحدث به, فكان الواقع اسطورة, لايمكن الفكاك منها, وجاء في مراحل متتالية من جعل الاسطورة واقعا.
ليس الأمر ضربا من الخيال, ولا هو بالتنجيم البعيد, فمن يعد إلى الكثير من أساطير الفداء في التراث العربي والعالمي في هذه المنطقة سوف يجد أنها فعلا جذر العنف المتأصل الذي على ما يبدو أنه رافقنا بدمائنا وجيناتنا, وورثناه لحد اليوم, والحنين الباقي في العاطفة والمنثور في تلافيف الدماغ يدلل على ذلك, ومن لطائف الدراسات التي توقفت عند هذا الجذر المشترك لشعوب هذه البقعة من العالم, ما قدمه منذ قرن من الزمن الكاتب والباحث السوري: خليل سعادة في مقال نشره عام 1915 م وجاء تحت عنوان: التعصب الديني في الشرق والشرقيين, ونقله (المقال) الاستاذ محمد كامل الخطيب في الكتاب المهم جدا الذي صدر عن وزارة الثقافة, وحمل عنوان: قضايا وحوارات النهضة العربية \ الحقوق والحريات العامة, والدراسة في القسم الثاني من الكتاب.
يرى خليل سعادة أن ثمة جذرا للعنف متأصلاً, ومن التقديم لهذا البحث الشائق يطرح السؤال التالي: لماذا يبرع شبابنا في الغرب بكل العلوم ويدركون أسرار الكون, وحين يعودون إلى هذا الشرق ويحتكون به, ينفضون التعصب الديني, ويبرز في افعالهم وينضح من دمائهم كما ينضح الماء من الإناء..
أليس السؤال محقا, ألم نره في الحرب على سورية, وكيف كان اساتذة جامعات وعلماء بالفيزياء والكيمياء ويمضون وراء خرافات مثيري الفتن والتعصب, ماذا نقول عمن يطبل على السطح ضاربا على (الطنجرة) ليخسف الله الأرض بالدولة السورية, وهو عالم بالفيزياء, وآخر عالم اجتماع ملأ الدنيا بضجيجه حول…وفجأة يعود إلى جذره المتوحش, جذر العنف المتمثل بالتعصب, والتعصب الديني والفكري هو جذر كل توحش يعيشه الإنسان, من هنا يكون سؤال: خليل سعادة مهما للغاية, وبحثه عن الجذر الحقيقي المعشعش في العقول و المختبىء مؤقتا, يكون سؤاله مفصليا في معرفة الاسباب الكامنة وراء هذا المشهد الدموي الذي يعيشه العالم, وشرقنا جزء منه.
قد يظن أحد ما أن العنف حصر على هذا الجزء من العالم, لكن على ما يبدو أن المرحلة التي عاشها الانسان برفقة الوحوش الكاسرة مازالت في تلافيف الدماغ على الرغم من مضي آلاف السنين عليها لكن الجذر باق, لم يمت وصدق عبد السلام العجيلي حين سبق ممدوح عدوان في طرح مصطلح (حيونة الإنسان) وثمة من يرى ان الحيوانات لا تقتل إلا حين تجوع, بينما الإنسان على العكس تماما يفعل حين يصل مرحلة الشبع, يبدأ بتوزيع فائض كراهيته وأحقاده على كل ما حوله, وأولها جنسه البشري.
جذر موغل في القدم
يرى سعادة أن الاساطير التي اخترعها الإنسان لتفسير الكثير من المظاهر الكارثية ما زالت السبب وراء هذا العنف المختفي والمنتمي إلينا في تاريخ الحضارة, ويضيف إليها (الطعام الذي يتناوله والماء الذي يشربه والهواء الذي يتنشقه, ليس هو ابن اليوم, ولا ابن السنة ولا ابن القرن ولا ابن عشرة قرون, بل هو ابن الأعصر الجيولوجية التي تغيب في ثنايا الدهور السابقة للتاريخ).
فالعنف المتمثل بالتعصب الديني (وهو مصدر الآثام والشرور) عمل هائل من اعمال الطبيعة, اشبه بطبقة من الطبقات الجيولوجية التي صرفت الطبيعة دهورا في إنشائها, يرجع التعصب الديني إلى الأعصر المتوغلة في القدم, يوم كان يقف الشرقي كما يضيف سعادة – امام الشمس الطالعة وقوف المذهل من انبثاق هذا الجرم البديع _ سعادة – في أفق المشرق فيحسبه الها عظيما ويخر له ساجدا ويعفر وجهه أمام أشعته المنيرة وحرارته المحيية, فحياة المشرقيين سلسلة متصلة من الأعمال الدينية عبد ما فوق الشمس, تحتها, النجوم وغيرها..
الدين في هذا الشرق كما يراه خليل سعادة: الدين في الشرقي قطعة من حياته, فهو يحسب الحياة وسيلة لتشريف الدين, لا الدين لتشريفها والسمو بها من مرتبتها الحيوانية إلى مرتبة روحانية تطهر الأخلاق وتهدم الفواصل غير الطبيعية القائمة بينه وبين أخيه في الوطنية والبشرية.. وما عبده الإنسان الشرقي من أوثان كان لابد لها من تفسير وضحايا بدءا من عبادة مولوك إلى ما في القائمة.. وعليه أن يرضيها..وهذا مبعث الجذر الذي نقف عنده في القادم من الأيام.
دائرة الثقافة

 

 

التاريخ: الأثنين 18-2-2019
رقم العدد : 16912

آخر الأخبار
خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع