في المنتصف من شهر شباط الفائت، جرى عقد قمة ثلاثية في سوتشي ضمت روسيا وإيران وتركيا لبحث المسألة السورية، سلطت الأضواء على الصعوبات والتحديات والمخاطر الراهنة، ذلك لأنه قبل انعقادها، شهدنا ثلاثة أحداث مهمة كان لها تأثيرها على جدول الأعمال.
اولاً إقامة منطقة آمنة في إدلب بالتفاهم الروسي مع تركيا والذي جرى التوصل إليها في شهر أيلول الفائت، لم يفض إلى تحسين الوضع القائم في تلك المحافظة السورية، بل على العكس من ذلك حيث تمكن متطرفون في هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة من السيطرة على إدلب، الأمر الذي أفضى إلى تقويض الاتفاقية، وزيادة في مخاطر التوتر بين موسكو وأنقرة.
ثانياً، قرار ترامب بانسحاب قواته من سورية المعلن في شهر كانون الأول أفضى إلى زيادة تعقيد النزاع واكتنف كل من روسيا وتركيا وإيران الشكوك حول ما سيؤول إليه واقع الأكراد والمنطقة في شرق الفرات، وعمّا يتمخض عنه ذلك الانسحاب من أمور.
الحدث الثالث، تعذر توصل الدول الثلاث لإتفاق بشأن تشكيل لجنة دستورية والتي تمثل عقبة رئيسة في العملية السياسية السورية، وما يجدر ذكره أن دمشق لم تعارض التوصل إلى تسوية، لكن المعارضة تعاني من الانشقاقات في صفوفها.
أما فيما يتعلق بإدلب، فقد كانت نتائج سوتشي غامضة بهذا الشأن، إذ استمرت روسيا في تمسّكها بضرورة عودة جميع الأراضي السورية إلى كنف دمشق، بينما لم يرق لتركيا ذلك الموقف.
في الأشهر الأخيرة، أصبحت مجموعات المعارضة المسلحة في إدلب مثل جبهة التحرير الوطنية التي تحظى بدعم تركيا، أكثر ضعفا، مما أتاح لهيئة تحرير الشام الفرصة للتغلب عليها في المحافظة، وتمكنها من إلحاق الهزيمة بفصائل مسلحة أخرى مثل أحرار الشام، صقور الشام، ونور الدين الزنكي، وتم السيطرة عليها وضمها للمناطق الواقعة شمال شرق محافظة حلب التي تسيطر عليها تركيا.
وإزاء ذلك، فإن اتفاق إدلب الذي أبرمته تركيا وروسيا الذي جرى التوصل إليه بحيث تعمّد أنقرة على توظيف وكلائها للجم المتطرفين لم يأخذ سبيله للتنفيذ على أرض الواقع، وعلى الرغم من تأكيد روسيا على التزامها بالاتفاقية فإنها في ذات الوقت تبذل قصارى جهدها لتطبيق الاتفاقية نظراً للتهديد الإرهابي الذي وصل إلى مستوى ينذر بالخطر.
في مقابلة جرت مؤخراً مع المتحدث باسم الحكومة الروسية، أوضح ديمتري بيسكوف تفاصيلاً محددة بشأن المحادثات التركية -الروسية المتعلقة بإدلب- وقد صرح قائلاً بأنه في الحين الذي بات به الوضع يتطلب شن عملية عسكرية، فإنه من غير الواضح من الذي سيشنها هل هي تركيا أم «دول أخرى».
وبهدف تفعيل اتفاقية إدلب يجب ألا نشهد هجمات على قاعدة حميميم العسكرية، أو حلب أو الجيش السوري، وبذلك يبدو بأن الهجوم على إدلب لم يبق سوى مسألة وقت فحسب، ما سيفضي إلى عودة المحافظة إلى كنف الدولة السورية.
منذ أن أعلنت الولايات المتحدة عمّا تزمع القيام به من انسحاب لقواتها من سورية، وضعت تركيا نصب عينيها المنطقة التي يسيطر عليها المرتزقة المحليون على طول الحدود السورية التركية، لكن إدلب لم تكن من أولويات أنقرة نظراً لما قد تفضي إليه من توتر في علاقاتها مع روسيا ولما تتطلبه من حشد للمزيد من القوات العسكرية لمجابهة الإرهابيين.
لذلك جعلت أولوياتها تتمحور حول أمر رئيس يتمثل في القضية الكردية والمنطقة الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها المرتزقة المحليين، الأمر الذي يحقق أهداف أنقرة المتمثلة بإعادة توطين اللاجئين السوريين في منطقة آمنة تسيطر عليها تركيا.
لم يتضح بعد إن كانت تركيا ستتحرك شرقا باتجاه الفرات. فالقوات الأميركية لا تزال متمترسة في المنطقة، كما وأن واشنطن قد أشارت إلى عدم تخليها عن وكلائها دون حماية واستمرار بعض من قواتها بمراقبة إيران، وقد بات واضحاً بأن كل الأطراف المعنية تحتاج للتوصل إلى اتفاقية بشأن المنطقة التي تسيطر عليها قسد، لكننا نتساءل عما يمكن التوصل إليه؟
تشير موسكو إلى الدور الهام لاتفاقية أضنة التي أبرمت عام 1998 بين سورية وتركيا، والتي تأخذ بالمخاوف الأمنية بشأن المقاتلين الأكراد. ولا تعارض في إقامة منطقة فاصلة لكنها تشترط مشاركة سورية في ذلك، الأمر الذي ترفضه تركيا، وعلى الرغم من تعامل انقرة وموسكو وطهران بإيجابية مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سحب قواته من سورية، فإن الشكوك أخذت تساورهم بمدى تنفيذ ذلك الانسحاب، الأمر الذي انعكس على قضايا رئيسة في سورية،
أما بالنسبة لتشكيل لجنة دستورية وإعداد عملية سياسية بشكل عام، فلم نشهد اختراقات حققها سوتشي، علماً بأن دمشق ومجموعات المعارضة الداخلية لم تعرقل التوصل إلى تسوية في الحين الذي شهدنا به الانشقاقات بين صفوف المعارضة تزداد حدتها جراء التوترات القائمة بين تركيا والسعودية اللتين تعتبران الداعمان الرئيسان للمجموعات المتمردة.
سادت التوترات في العلاقات التركية -السعودية وبصورة خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول إبان العام الفائت. يضاف إلى ذلك، إعلان الانسحاب الأميركي إذ نعتبر أنقرة أكبر المستفيدين منه لأنه يفسح لها المجال في توطيد نفوذها شمال شرق سورية الأمر الذي أثار حفيظة الرياض.
وهنا نتساءل عما سيؤول إليه دور الولايات المتحدة في سورية؟ وكيف ستطبق قرارها بالانسحاب من هذا البلد؟.
إن كل تلك الأمور كان لها دورها السلبي على العملية السياسية. ولاسيما أن دول الخليج وتركيا يدعم كل منهم مجموعات مختلفة من المعارضة، الأمر الذي سيفضي إلى تعميق الخلافات بين المعارضة ويساهم في تعذر التوصل إلى موقف موحد بين تلك الفصائل.
نعود للتساؤل حول ما سيكون عليه دور الولايات المتحدة وكيفية تنفيذها لقرار الانسحاب.
Middle East Eye
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 8-3-2019
الرقم: 16927