يعرف العالم أن أساطير الخصب والعطاء، هي بامتياز من التراث السوري الموغل في العراقة، من السهول والجبال، والوديان وغدران الماء، من الفيجة حيث آلهة الماء، من تدمر وواحاتها، ومن الساحل، ومن الجزيرة حيث شقائق النعمان، فلذلك كان شهر آذار ذا مكانة عند السوريين، فهو شهر الربيع، وشهر المطر وتفتح الزهر، شهر النزهات الجميلة كلما سنحت بذلك شمسة آذار وصمت مطره الهدار، وشهر البنفسج البري الذي يملأ الحقول ومعه آلاف النباتات العطرية الأخرى التي تشكل بستاناً جميلاً فتاناً وفيه تروى عشرات القصص والحكايا عن تقلباته أيضا كما شهر شباط، وهذا العام استعاد السوريون نكهة آذار الربيع الخصب والحقيقي، الشهر الذي حاول المعتدون أن يكون على غير ما.
مع آذار هذا العام كان موسم العودة إلى الطبيعة ونشاط (السيران) وجادت السماء لهذه الأرض الطيبة بما تستحقه من مطر وماء وغيم ورعد، وكانت مواسم الكمأة التي فاضت على الجميع، وامتلأت الأسواق بها، حتى إن إحدى المحطات العالمية كتبت : السماء تمنح السوريين بما قيمته نصف مليار دولار من الكمأة، وسكان البادية كما قالت المحطة (سبوتنيك) يتذكرون بكثير من الأمل عام 1988 حين أهدتهم السماء موسماً وفيراً من (الكمأة).
خلال العام الحالي، ومع تشديد الحصار الاقتصادي الأمريكي وبعض الأوروبي على سورية، لم تتأخر السماء عن وهب السوريين موسماً غير مسبوق من هذه النبتة مرتفعة القيمة الغذائية، والسعر أيضاً.
أحد تجار الكمأة في حماة، ممن يعرضون بضاعتهم القادمة من باديتها ضمن أسواقها، قال لـ (سبوتنيك): (هذه النبتة يبذرها الرعد في الأرض، إنها هدية الله سبحانه وتعالى للسوريين هذا العام).
ويقدر الخبراء الزراعيون الموسم الحالي لـ (الكمأة) في سورية بما يقترب من 20 ألف طن تتوزع في مناطق قطافها على بوادي وأرياف حمص وحلب وحماة ودمشق والسويداء شرقاً، ودير الزور والرقة جنوباً.
يرتبط ظهور هذه النبتة ارتباطاً وثيقاً بالبرق والرعد خلال الشتاء، وهي لذلك تدعى في بعض المناطق بـ (نبتة الرعد)، ويسود الاعتقاد الشعبي بأنها جنين يزرعه البرق في رحم الأرض لحظة سقوطه عليها.
ويقوم أبناء القرى والبلدات على امتداد البادية السورية المتوزعة بين محافظات الرقة حلب وحماة وحمص ودير الزور ودمشق والسويداء، بجمع الكمأة التي ليس لها بذار أو جذور، بل تتشكل نواتها من اتحاد النتروجين والهيدروجين بفعل الشرارة الكهربائية الناتجة عن البرق، والتي تدور فوق التراب جاذبة إليها الأملاح المختلفة التي تهبها قيمة غذائية تضاهي اللحوم.
التاريخ: الثلاثاء 12-3-2019
رقم العدد : 16929