تطويـر مناهــج التعليم السياحي.. خطوة على طريق رفع سوية جودة الخدمات في المنشآت السياحية…تأمين حاجة سوق العمل السياحي..ورفد المؤسسات السياحية بكوادر مؤهلة
ترتبط سمعة المنتج السياحي في أي منشأة سواء كانت مطعما أو فندقا أو مكتب سياحة بمستوى جودة الخدمة المقدمة فيها، وفي هذا الجانب بالذات فإن الأمر يرتبط مباشرة بمقدمي الخدمة السياحية، عمال المنشأة، فكلما ارتفع مستوى مهارة هؤلاء وكفاءتهم وخبرتهم في تقديم الخدمات، كلما اكتسبت المنشأة سمعة جيدة انطلاقاً من ارتفاع مستوى جودة الخدمات فيها..
هي علاقة متلازمة وتمثل سر نجاح أي منشأة سياحية، ذلك أن السياحة هي بالأساس خدمة، وكلما ارتفع مستوى الخدمة وقدمت للزبون بأفضل مستوى جودة، كلما استطاعت أن تزيد من حالة الجذب السياحي وبالتالي تحقيق نجاح أكبر من خلال اكتساب رضا الزبون..
وعلى ذلك فإن أصحاب المنشآت الباحثين عن النجاح والتميز في عملهم أول ما يبحثون عنه هو اليد العاملة الماهرة والكفوءة، والتي يمكنها أن تقدم قيمة مضافة في المنشأة..
وعلى هذا الأساس وفي ضوء اهتمام وزارة السياحة لرفع سوية الخدمات السياحية المقدمة في المنشآت والمواقع السياحية، وبالنظر إلى ضرورة مواكبة التطورات العالمية في هذا القطاع، يتابع المعنيون في هذا الملف خطوات ترتبط برفع مستوى الكوادر السياحية من خريجي المدارس والمعاهد الفندقية والسياحية، وذلك من خلال العمل على تطوير المناهج الحالية وإدخال تقنيات جديدة في التعليم السياحي، وكذلك تطوير مهارات المدربين بحيث يتحقق الهدف الأساسي في الحصول على يد عاملة خبيرة وماهرة تمتلك تقنيات حديثة في تقديم الخدمات السياحية في مختلف مجالات العمل السياحي..
مع بدء التعافي
وفي هذا يقول المهندس فيصل نجاتي مدير عام الهيئة العامة للتدريب السياحي والفندقي إنه وضمن رؤية وزارة السياحة وخطتها للمرحلة القادمة تم تحديد عدة محاور للعمل منها الاستثمار السياحي وجودة الخدمات السياحية، والترويج والتسويق السياحي وكذلك التدريب والتأهيل السياحي، وفي هذا الجانب تعتبر الوزارة محور التأهيل والتدريب من المحاور الرئيسية والهامة بعملها كون القطاع السياحي بدأ يتعافى، حيث لاحظنا أن هناك منشآت سياحية بدأت تعود للعمل في عدد من المحافظات (مطاعم وفنادق ومكاتب سياحية)، وكل هذه الفعاليات تحتاج إلى يد عاملة مدربة تمتلك المهارة الكافية للعمل فيها وتقديم الخدمات السياحية بالجودة المطلوبة.
وهذا الأمر ينعكس على عمل هيئة التدريب السياحي والفندقي من خلال وضع خطة لتطوير المناهج وأساليب التدريب والتعليم والاعتماد على الدورات التدريبية القصيرة لتأمين اليد العاملة الماهرة والجاهزة لدخول سوق العمل السياحي..
والهدف من تطوير المناهج الذي تسعى إليه وزارة السياحة هو مواكبة تطور صناعة السياحة في العالم والتي تشهد سرعة كبيرة في التطور لجهة نوعية وجودة وطبيعة الخدمات، وذلك بالنظر إلى حجم المنافسة الكبير في سوق السياحة العالمي، الأمر الذي يدفع جميع مقدمي الخدمات السياحية في العالم إلى تطوير أساليبهم وأدواتهم ومستوى خدماتهم لتحقيق أعلى مستوى جذب وبالتالي تحقيق عائدات أعلى من الصناعة السياحية..
ولذلك فإن تطوير المناهج يقوم على إدخال اختصاصات ومواد جديدة، وتقديم المحتوى العلمي بشكل أكثر جاذبية ودعمه بالوسائل التفاعلية البصرية (فيديو)، بما يساعد الطلاب على سهولة استقبال المعلومة وفهمها وحسن تطبيقها بشكل عملي أفضل..
كما يجري التركيز على اللغة الإنكليزية بشكل كبير انطلاقاً من حالة الضعف التي يشهدها معظم الطلاب وهذه حقيقة يجب الانتباه إليها وتجاوزها، خاصة لدى طلاب السياحة حيث تعتبر من أهم المهارات التي يجب أن يمتلكها من يعمل بالسياحة ليكون قادراً على التفاهم مع الزبائن الأجانب وتقديم الخدمات لهم بشكل مميز..
ويبين نجاتي أنه لدى وزارة السياحة طيف من المؤسسات التعليمية التي تشرف عليها وهي سبعة معاهد تقانية فندقية وسياحية موزعة في دمشق والمحافظات، و17 مدرسة فندقية وسياحية منها أربع مدارس في كل من الرقة ودير الزور وتدمر خرجت عن الخدمة خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية، وهناك أيضاً مركز دمر للتدريب السياحي والفندقي، إضافة لذلك هناك 25 معهداً خاصاً لتدريس العلوم السياحية والفندقية..
التمايز بين مستويات التعليم
غسان شاهين نائب رئيس غرفة سياحة دمشق أشار إلى أن تطوير المناهج في المؤسسات التعليمية على اختلافها يعتبر حاجة مهمة وضرورية للقطاع السياحي، للارتقاء بمستوى الخدمات السياحية عموماً، وتأتي الحاجة لتطوير المناهج أيضاً للخروج من مطب يتمثل في حالة عدم التمايز بين خريج المدرسة الفندقية والسياحية وبين خريج المعهد وأحياناً بين خريج كلية السياحة، وقد بدأ التفكير بإعادة النظر بمناهج التدريب والتعليم السياحي منذ عامين تقريباً، وقد تم تشكيل لجان لتطوير المناهج في مختلف مجالات العمل السياحي، للمكاتب السياحية والفنادق والمطعم والمطبخ والدلالة السياحية، وكل لجنة تضم في عضويتها أهم الخبرات من القطاع السياحي كل في مجاله، إلى جانب المعنيين من الجانب الحكومي، وجرت اجتماعات عديدة جداً تم خلالها تناول أدق التفاصيل في كل مهنة وبحثها ومناقشتها باستفاضة بغية الوصول إلى أفضل معلومة وأفضل مستوى تدريب يقدم للطالب بما يؤهله لدخول سوق العمل بثقة وبمهارة عالية، وفي هذا السياق جرت مراعاة كل مرحلة بحيث أن مناهج المدارس تكون مختلفة عن مناهج المعاهد التقانية لخلق حالة التمايز التي يجب أن تلحظ في مواقع العمل السياحي انطلاقاً من الخصوصية التي يتطلبها العمل في المنشآت السياحية والتي تقوم على إرضاء الزبون من خلال الوصول إلى أعلى مستوى جودة للخدمات بمختلف أنواعها..
في مركز دمر
المهندسة هلا درويش مديرة مركز دمر للتدريب السياحي والفندقي قالت إن الهدف الأساسي من تطوير المناهج هو تأهيل كوادر بشرية وفق المعايير العالمية لتلبية متطلبات سوق العمل، حيث تمت دراسة احتياجات سوق العمل وعلى ضوئها تضمنت الخطة ثلاثة محاور هي مناهج متطورة ومعتمدة من وزارة السياحة، ومدربون مؤهلون ويمتلكون قدرات تعليمية عالية تمكنهم من إيصال المعلومة النظرية والعملية للطلاب بدقة وسهولة وبجاذبية، كذلك تضمنت الخطة تأمين أدوات ووسائل تدريب متطورة ومواكبة لما هو موجود من تجهيزات في الفنادق والمطاعم ومكاتب السياحة والسفر..
وفي هذا الإطار فقد تمت إعادة تأهيل وترميم مركز دمر للتدريب السياحي والفندقي وتزويده بكل مستلزمات التدريب والمعدات والقاعات الدرسية المجهزة بكل وسائل الإيضاح التفاعلية، وبالنسبة للمناهج فسيتم خلال هذا العام التوصل إلى وضع المناهج الجديدة بالتعاون والتشارك مع القطاع الخاص والخبرات الوطنية من مدرسي المركز ورؤساء الأقسام، بحيث نصل إلى وضع المناهج في كتب قابلة للتطوير والتعديل باستمرار لتواكب معطيات التطور ومتطلبات سوق العمل السياحي محلياً وعالمياً..
التدريب العملي
وعن عملية التدريب التي تتم في المركز حالياً تشير مديرة المركز إلى أن المركز يتألف من خمسة أقسام يتم فيها تدريب الطلاب، قسم فن الطهي والحلويات (المطبخ)، وقسم المطعم والبار، وقسم إقامة فندقية (مكاتب أمامية، وإشراف، وتدبير فندقي)، وقسم تسويق وإعلام سياحي، وقسم وكالات سياحة وسفر، وفي التدريب العملي يوجد قسمان الأول سياحي (مكاتب) والثاني فندقي (مطاعم، فنادق)، حيث يتوفر في المركز فندق تدريبي يتألف من 21 غرفة إقامة، ومطبخ مجهز بكافة الوسائل والأدوات لزوم التدريب وبار ومطعم، وقسم استقبال، إضافة إلى مصبغة تدريبية، وكلها يجري تدريب الطلاب عليها بشكل عملي، بما يضع الطالب في أجواء عمل حقيقية، تتطابق تماماً مع ظروف وبيئة العمل في المنشآت السياحية، وهذا ما يميز خريج مركز دمر الذي يحظى بتدريب عملي فعال، إلى جانب تلقيه العلوم النظرية..
نقص المدربين
وفي ظل النقص الكبير في عدد المدربين في المركز تبدو المهمة أكثر صعوبة في إنجاز العمل على أكمل وجه، وهذا الأمر نتجاوزه من خلال التعاون مع بعض خريجي المركز العاملين في منشآت سياحية وهؤلاء يقومون بعمل مهم ويتلقون أجورا رمزية جداً لا تتناسب أبداً مع حجم العمل والجهد المبذولين، أو مع الوقت الذي يقضونه في ساعات التدريب بالمركز، الأمر الذي يمكن معه اعتبار عملهم هذا أقرب للعمل التطوعي ومبادرات شخصية إيماناً منهم بأهمية المساهمة في دعم جهود المركز الهادفة لرفد سوق العمل بكوادر تتمتع بكفاءة ومهارة وخبرة عملية جيدة.
يضاف إلى ذلك فإن المعهد يتيح فرصة للراغبين بالحصول على دبلوم الإدارة السياحية والفندقية من خريجي المركز أو من خريجي كليات الأدب الإنكليزي أو الاقتصاد أو الحقوق أو الأدب الفرنسي، ضمن شروط قبول محددة ويدرس الطالب المقبول بالدبلوم لسنة دراسية واحدة..
4300 طالب سياحة
مدير الشؤون التعليمية في وزارة السياحة فادي نظام قال هناك 4300 طالب اليوم يدرسون العلوم السياحية في المؤسسات التعليمية التي تشرف عليها وزارة السياحة ما بين مدارس فندقية ومعاهد تقانية، وفي هذا العام سيتقدم إلى امتحان الشهادة الثانوية المهنية السياحية والفندقية حوالي 550 طالباً وطالبة، مشيراً في هذا إلى أنه تم تجهيز مقرر جديد للمدارس سيتم إدخاله على الصف الأول الثانوي المهني الفندقي وهو مقرر المطبخ والمطعم، والعمل جار على تطوير المناهج تباعاً بحيث كل عام تنجز مقررات جديدة إلى أن يتم استكمال مقررات الأول والثاني والثالث الثانوي المهني الفندقي والسياحي، مع الإشارة هنا إلى أنه تم إدخال مقرر اللغة الروسية للصف العاشر في مدرسة طرطوس المهنية السياحية.
ويبين نظام إن التوسع بالتعليم السياحي قائم ويتطور بالنظر إلى حاجة سوق العمل وبدء عودة تشغيل عدد من المنشآت التي كانت متوقفة خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية، وبذلك تم تطوير العمل في المدارس والمعاهد، ففي المعاهد التي كانت مختصة بالعمل السياحي تم إدخال اختصاص الفندقة إليها، وبالعكس، ويجري الاهتمام على تأمين وتجهيز المؤسسات من مدارس ومعاهد بالبنى التحتية والمستلزمات ووسائل التدريب اللازمة، حيث يجري حالياً إعادة تأهيل وترميم المدرسة الفندقية في مصياف وتأمين المستلزمات لها، في وقت نجد أنه لدينا مدارس ومعاهد تم تجهيزها بوسائل تدريبية متطورة من مطابخ ومصابغ ومطاعم تدريبية، لتدريب الطلاب بشكل عملي على تقديم الخدمات السياحية بأفضل مستوى تحت إشراف مدربين مهرة وقادرين على تقديم المعلومة الصحيحة والتدريب على المهارات اللازمة..
وفي هذا لفت نظام إلى أن مخرجات المؤسسات التعليمية من كوادر بشرية يشكلون الأساس في رفع جودة الخدمة السياحية، وبالتالي لا بد من العمل المستمر على تطوير الأداء والأدوات والمناهج ووسائل التدريب لمواكبة كل ما هو جديد، ولتحقيق القيمة المضافة من خلال مخرجات التعليم السياحي فهؤلاء هم سيكونوا المشغلين للقطاع السياحي بمختلف مجالاته ويجب أن يمتلكون المهارات والخبرات والعلوم الكافية لإعطاء صورة جيدة عن الصناعة السياحية في سورية.
ومن أجل زيادة التحفيز لدى الطلاب في المدارس والمعاهد السياحية والفندقية فقد تم اعتماد آلية تقول بقبول الخريجين الأوائل من المدارس والمعاهد السياحية في كليات السياحة حيث أصبح لدينا اليوم كلية سياحة في دمشق إضافة إلى كلية السياحة في حمص التي كانت أول كلية تحدث للتعليم السياحي العالي.
محمود ديبو
التاريخ: الخميس 14-3-2019
رقم العدد : 16931