سلام من مطلع الندى

 

مذ كنا صغاراً على قارعة الوديان والهضاب وحيث يهلّ الربيع على استحياء، شغفنا بالربيع، بالبحث عمّا تجود به الأرض الطيبة، كم من ريف وعر لا يكاد الماعز يصل إليه تسلّقناه بحثاً عن البنفسج الأزرق، ورفيقه الذي يجب أن يكون قربه (البربهان) الزهر الأبيض الندي البهيج، نجمع باقات منهما، وغداة اليوم التالي يزدان الصف الدراسي بها، معلمون من قلب الحياة والعطاء، يشعرون أننا قدّمنا لهم كنوز الدنيا.
وللبيت حصته من البنفسج، تصمد الباقة في كأس من الماء لحين الذبول للتحوّل بعدها إلى شراب شهي يرافق الشاي أو الزوفا رفيقة المدفأة والشتاء، اليوم بدأ الربيع حسب ما يقوله التقويم، بدأ مع عيدين رائعين، الأم التي تعني كل شيء، والمعلم المربي، الذي كاد أن يكون رسولاً، بل هو رسول العلم والمعرفة والعطاء، يبدأ ربيعنا الطبيعي وتتزين الأرض بوشاح أخضر يهلّ بكل محبة وألفة، مناظر ساحرة لا يعرف المرء كيف يصفها أو يعبّر عنها، كانت السماء ديمة هطولاً، جادت وجادت حتى كدنا نردد بيت بدوي الجبل (وبعض الغيث إن فاض خربا).
لكنها الربيع الانقلاب الذي صاحبته في تراثنا السوري أساطير الخصب والعطاء، العمل الاحتفاء بكل ولادة على سرير أخضر كما يرى نزار قباني، في نيسان حيث الأعياد الأكثر حضوراً (الرابع) يوم الجلاء، تلتقي القرى من كل حدب وصوب بمكان محدد، الطبل والموسيقا من بانياس، والوفود التجارية من القرى، ومن المدينة، والمكان جغرافيا يتوسط القرى التي تأتي من كل حدب وصوب، مهرجان الخصب والحياة، وتصدح أغاني البهجة والسرور، تتشابك الأيادي معلنة صفا أو ما يسمى (مرسح الدبكة) كلُّ يعرض ما لديه من مواهب بكل شيء ولا يفضّ اليوم إلا بعد المغيب، لا يهم إن هطل المطر، أو إن كان الهواء قوياً.
وعلى أمل اللقاء باليوم التالي، يقف من يعلن بصوت قوي يسمعه الجميع (غداً الاحتفاء بالرابع بمكان كذا وكذا) لا أحد يتخلف عن الموعد، بل الجميع حاضر يعرف الطقس الذي ترسّخ مذ كان الجلاء، اليوم تتهادى الذكريات هذه ندية خجولة، أعرف أنها تثير المواجع، تفتك بالروح والدم، لكنها صفحة بهية، من أجلها في كل ربوع سورية كان الدم الغزير، من أجل أن تعود بهية في الجولان، ودرعا، والقنيطرة، والحسكة وحلب وأدلب، وكل حبة تراب، ومن تراب الخصب جاء الربيع هذا العام مختلفاً، بهيّاً، نقيّاً، شقائق النعمان التي ملأت مساحات الأرض، التوليب السوري، والبنفسج والخزامى، وما في قائمة خضرة الأرض البهية..
يا ربيع سورية الخصيب، ها أنت توشي الزمن الأغبر الذي أتى علينا، تحيله وردة حمراء من دمنا، نداك أيها الربيع، من عطر شهدائنا، من وعدنا بالنصر، من أساطير الخصب والفداء التي ستبقى حاضرة، ولن تتكلس، سلام لكِ بلادي من مطلع المطر إلى فجر الربيع، إلى لحظة الثمر وبهية بدم من رواك ونعيش بنبضه.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 22-3-2019
الرقم: 16938

آخر الأخبار
ريال مدريد يفتتح موسمه بفوز صعب  فرق الدفاع المدني تواصل عمليات إزالة الأنقاض في معرة النعمان محافظ إدلب يستقبل السفير الباكستاني لبحث سبل التعاون المشترك ويزوران مدينة سراقب رياض الصيرفي لـ"الثورة": الماكينة الحكومية بدأت بإصدار قراراتها الداعمة للصناعة "نسر حجري أثري" يرى النور بفضل يقظة أهالي منبج صلاح يُهيمن على جوائز الموسم في إنكلترا شفونتيك تستعيد وصافة التصنيف العالمي الأطفال المختفون في سوريا… ملف عدالة مؤجل ومسؤولية دولية ثقيلة مبنى سياحة دمشق معروض للاستثمار السياحي بطابع تراثي  "السياحة": تحديث قطاع الضيافة وإدخاله ضمن المعايير الدولية الرقمية  فلاشينغ ميدوز (2025).. شكل جديد ومواجهات قوية ستراسبورغ الفرنسي يكتب التاريخ اهتمام تركي كبير لتعزيز العلاقات مع سوريا في مختلف المجالات الساحل السوري.. السياحة في عين الاقتصاد والاستثمار مرحلة جامعية جديدة.. قرارات تلامس هموم الطلاب وتفتح أبواب العدالة تسهيلات للعبور إلى بلدهم.. "لا إذن مسبقاً" للسوريين المقيمين في تركيا مرسوم رئاسي يعفي الكهرباء من 21,5 بالمئة من الرسوم ..وزير المالية: خطوة نوعية لتعزيز تنافسية الصناعي... لقاء سوري ـ إسرائيلي في باريس.. اختبار أول لمسار علني جديد تركيب وصيانة مراكز تحويل كهربائية في القنيطرة زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى دمشق… تحول لافت في مقاربة واشنطن للملف السوري