رياض الشعار في صالة «المدرس»… اختزال الأشخاص في فضاء اللون الغنائي..

معرض الفنان رياض الشعار الذي أقيم في صالة فاتح المدرس، تحت عنوان «هذيان» لا يقتصر فقط على إبراز التأثيرات البصرية المتبادلة، بين الحضور والغياب، أو بين تبسيط العناصر الإنسانية وتماهيها مع الخلفيات اللونية التجريدية، بل يتعدى ذلك، ليكشف عن الإيقاع الغنائي البصري، سعياً لتقديم مقطوعات موسيقية مسموعة بالعين، وفق نهج كاندينسكي وبول كلي وسواهما.
خيالات لونية
ولقد لعبت مشاهداته لمعطيات الفنون الحديثة، دوراً بارزاً في تغذية حساسيته البصرية، ليزاول الإيقاع اللوني الغنائي المعبرة عن حريته وانفعالاته الداخلية المقروءة في لمساته وضرباته اللونية العفوية والتلقائية. وهذا ما أدى إلى ظهور تأثيرات ضوئية في لوحاته الجديدة، والسابقة أيضاً، مبتعداً كل البعد عن النطاق التصويري التقليدي، حيث تحولت أعماله المعروضة إلى مجرد لمسات وحركات ومساحات لونية, لها قيمتها التعبيرية الخاصة (تتحول فيها العناصرالإنسانية الى خيالات لونية على خلفية تجريدية) مع بروز تقنية تكثيف اللون أو تشفيفه، وكل ذلك يخضع للحالة النفسية الانفعالية، التي يعيشها أثناء إنجاز لوحته الفنية.
وغياب الصورة الواقعية عن مجمل لوحاته المعروضة، لم يخفف من ارتباطها بألوان وأضواء وعناصر الواقع, وهو في ذلك يطرح جمالية العلاقة مع نورانية الشرق، القادمة كإيحاءات شعرية وغنائية، تجمع بين معطيات الذاكرة البصرية وتأملات الطروحات الجمالية الحديثة والمعاصرة.
والتجمعات الإنسانية التي يقدمها، تشكل منطلقاً نحو شاعرية اللون وحركة الإيقاع المترسخ في ذاكرة العين ومخزونها البصري، فالهدف من التشكيل والتلوين هنا يبدو بمثابة استعادة للعناصرالإنسانية، والاستمرار ضمن مربع اللون والضوء، وبصياغة أسلوبية تظهر فيها الفوارق والاختلافات بين لوحة وأخرى.
وهو لا يعتمد فقط على عناصر التعبير عن الحالات الإنسانية، وإنما يحاول العزف على أوتار ألوانه المتتابعة والمتلاحقة والمتداخلة والقادمة من إحساسه المباشر بجمالية التشكيل الحديث، الذي يترك في العيون المتذوقة، معالم انفعاله اللوني المقروء هنا كإشارات موسيقية بصرية، متلاحقة ومتتابعة في فراغ السطح التشكيلي، حيث كل شيء يتحرك في لوحاته مع الانفعال والتجريد والاختزال التعبيري.
تماهي العناصر
وتبدو مجموعة لوحات رياض الشعار مستمدة من حركات الأجساد الأنثوية، الحاملة إشارات الحضور والغياب أو التنقل، بين الرسم التعبيري والتشكيل التجريدي الايحائي في اللوحة الواحدة.
وهو يركز في معارضه، ومنذ سنوات لإظهار الملمحين التعبيري والتجريدي في اللوحة الواحدة، وهما يشكلان نفس الخط التصاعدي في بحثه اليومي عن لوحة تشكيلية حديثة تمثله وتعطيه خصوصية على الصعيدين التشكيلي والتلويني.
ويمكن التحدث عن الأسلوب الذي يعتمده في خطوات التركيز لإظهار»الكونتراست اللوني»، إذ تبدو أرضية اللوحة معتمة وتأتي الإضاءة متداخلة مع بعض الضربات اللونية العفوية، التي تجعل في أحيان كثيرة القامات الإنسانية الموزعة في مساحة اللوحة أشبه بالظلال أو بالخيالات، المتجهة أكثر فأكثر نحو لغة التعبير الانفعالي، البعيد كل البعد عن المظاهر اللونية الصريحة والأحادية والهادئة والساكنة.
وعلى صعيد البحث التشكيلي تعكس أعماله مظاهر التفاعل والانفتاح على إيقاعات الأجساد المندمجة في النهاية مع الرؤية الداخلية الذاتية، والمنحازة نحو لغة الاختزال والاختصار، المستمد من التكوين التعبيري والتجريدي، والملاحظ أن لكل لوحة مناخها اللوني الخاص، والتي يحافظ فيها على تدرجات ومعطيات اللون الواحد.
فالحركة التي تطل من أشكال الأجساد النسائية المنفردة أو المجتمعة والواقفة أو الجالسة والمتحركة بلمسات تلقائية مباشرة، لا تلبث أن تتماهى في أقسام منها مع الحركة عبر إبراز اهتمامه المتواصل بثنائية الضوء والظل في مساحة اللوحة، مع انحياز واضح نحو المناخات الشاعرية، التي تلف غياب العناصر الإنسانية المختصرة عبر علاقات لونية كتلوية تحقق الوصول إلى الحالة الحركية أو تستعيد عناصر الأشكال كطاقة حيوية تجنح في الخلفيات نحو تغييب العناصر الإنسانية والإبقاء فقط على روحها وحركتها الدالة عليها.
زهوة النور
هكذا تظهر لمساته اللونية المتشابكة والمتداخلة والمتراكمة والمتنقلة بين المساحات الخافتة والمضاءة، كما لو أنها إشارات لملامح إنسانية، وهي تفسر بوضوح غنائية الألوان المتراقصة والعاشقة لزهوة النور، والتي أعطت لوحاته الجديدة والسابقة أيضاً قدرة على توليد إيقاعات الطرب اللوني، من معطيات لوحاته القديمة للاستفادة المطلقة من مختلف بحوثه الفنية والتشكيلية السابقة، وتأكيد الناحية الأسلوبية وخصوصية أجواء البحث التشكيلي وتطلعاته المستقبلية، وذلك لأن الغاية من الاختبار التشكيلي اليومي هو الوصول إلى الجديد في الرؤية، وتأكيد حيوية التجربة المستمرة والمعبرة هنا عن الحرية العاطفية والانفعالية، في صياغات لمسات اللون وفي إبراز الأجواء التعبيرية الاختزالية، كمنطلق ومدخل لإظهار الإحساس التجريدي بحركات الأشخاص بطريقة حرة وواعية في آن واحد.
والوصول إلى ملامح التجريد في خلفيات لوحاته لم يكن انقلابياً، وإنما جاء بشكل تدريجي ومنطقي، بعد سلسلة من التجارب والمعارض المشتركة والمنفردة التي زادت من قناعته بضرورة البحث عن ملامح تشكيلية متحررة، نابعة من تأثيرات تجاربه الثقافية وتأويلاتها التعبيرية والجمالية والفلسفية المرتبطة أيضا بهموم الإنسان، وبأزماته الوجودية المتفاقمة.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum
التاريخ: الثلاثاء 26-3-2019
رقم العدد : 16940

 

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة