«يومُ الفكر»..والهويّــــــة التـــــي تحصننــــــا مــن الحــــرب الثقافيـــة

هو الأعقل.. هو الأقدر.. على الارتقاءِ بنا وبسوريَّتنا، وبالكلمة التي أشرقت ولا يمكن أن تغيب، ولأنها متجذِّرة في وطنٍ أعلنتْ عليهِ النور منذُ الأزل الذي سطعت منه أبجديَّتنا.
هو الفكرُ المستنير والمنير.. الواعي والمنشغل، بجعلِ الحياة مُضاءة بمنطق الأخلاقِ والضمير.. منطقُ كلِّ العاملين في حقلِ الأدب والسياسة ممن نحتاج وفي ظلِّ الحرب التي تكالبَ فيها أهلُ الظلام لإغراقنا بجاهليتهم. نحتاج وعيهم وثقافتهم وفكرهم..
إنه ماتمَّ بحثه، في اليوم الثالث من الأيام الثقافية التي أقامها اتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع جامعة دمشق، وتحت عنوان «الأدب والسياسة والحياة».. الندوة التي تناولت «الثقافة والحرب» و»الهوية بين الماهية والصيرورة».. و»الهوية والحرب»، وهو العنوان الذي بدأ الكاتب والباحث الأردني «إبراهيم علوش» بالقول عما يريده منه:
لابدَّ لنا من احتضان داخلنا الثقافي.. لمنعِ عدونا من اختراقنا
د. إبراهيم علوش – كاتب وباحث عربي:
«الحرب التي تعرَّضت لها سورية، جعلت أغلبية السوريين يشككون بكلمة العروبة، وهو ردُّ فعلٍ سببه، شعورهم بأن بعض الأشقاء العرب قد شاركوا في الحرب ضدّهم، بل وفي قتلهم وتدميرهم، وهو مادفع كل منهم للتساؤل: من أنا، بل من نحن؟!!».
إنه مابدأ به هذا الكاتب العروبي، مشيراً إلى أن مادفع كل عربيٍّ مرت بلاده بما مرت به سورية في ظلِّ ماسمّي بالربيع العربي، أدى إلى طمس التراث العربي وتدمير إرثه، وإلى جعل الشعوب العربية تكفر بعروبتها وتشكِّك فيها.
هكذا بدأ، معتبراً أن ما حصل كان عبارة عن «تصفية حساب مع الإرث القومي والوطني العربي» وهو ما شاركت فيه وإلى جانب الصهيونية والإمبريالية، قوى ظلامية وأطراف عديدة كانت جميعها سبباً في الحرب البشعة التي استهدفت سورية.
كل هذا، دفعه للتساؤل، ولاسيما بعد أن علِّقت عضوية سورية في الجامعة العربية، «هل الجامعة العربية تمثّل العروبة؟..
سأل ليجيب: «الجامعة إطارٌ يمثّل منظومة تجزئة لامشروعاً قومياً، وهي تقوم على احترام حقوق التجزئة ومراعاتها، وأنا كقومي عربي، لا أشعر بالانتماء إليها، ولا أرى بأنها تحدِّد إن كنت عربياً أم لا»..
من هنا، ولأن الجغرافية السياسية، ومصلحة الأمن القومي، يفرضان وجود خطاب عربي قومي، فلابدَّ لنا من احتضان داخلنا الثقافي بشكلٍ يجعل من الصعب اختراقنا من قِبل أعدائنا..
باختصار.. هذا ماأراد التأكيد على ضرورته وأهميّته، وفي زمنِ الحربِ التي تناولت الكاتبة الدكتورة «ناديا خوست» وفي بحثها «الثقافة والحرب» سبلَ مواجهتها منطلقة من:
علينا إنقاذ الذوق العام.. بأناشيدِ المقاومة والبطولاتِ الوطنية
د: ناديا خوست – أديبة وكاتبة:
انطلقت هذه الكاتبة من الحديث عن استحالة وجود ثقافة بدون مجتمع، وبالتالي فالحرب التي شُنّت على سورية دمّرت الذاكرة الحضارية، وهو مايُعتبر اختراقاً لثقافتنا الوطنية، وتدميراً للثقافة العربية التي تعتبر سورية وجدانها.
انطلقت من ذلك، مؤكدة على أهمية ودور الثقافة في تحصين إنساننا ومجتمعاتنا وأوطاننا، وعبر مشروعٍ ثقافي فكري تنويري متكامل. مشروع يتلاقى فيه الإعلام مع الثقافة والسياسة والمسؤولين عن مواجهة ومقاومة الفكر التكفيري، الذي سعت الصهيونية لدعمه من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام، واختراق المؤسسات الثقافية العالمية.
هذا ماأكّدت عليه، منوِّهة إلى أن الخطر الذي بات يهدد مجتمعاتنا ثقافياً، هو ما اضطرَّها لتوجيه أسئلتها: «لماذا انتشرت قبل الحرب التراتيل الدينية في وسائل النقل العامة، ولماذا عُرضت خلال الحرب الدراما التي تشرِّع الانحطاط والخيانة، ولِم انعدم تقديم مايجسّد مواجهات وتضحيات المقاتلين، ومعاناة أهالي الشهداء والمخطوفين».
تساءلت عن كلِّ هذا، ومن ثمَّ قدمت شواهد ونماذج من آداب عربية وعالمية، أرادت منها تبيان مقدار تأثير الثقافة المقاومة في وجدان الشعوب وقصائدها وآدابها وفنونها.
قدّمت شواهدها العديدة، ليكون ماختمت به، الإصرار على قيام مشروع ثقافي موسوعي، يقدم مادة إنسانية تنقذ الذوق العام، بثقافة وأناشيد بطولية- وطنية.
تدميرُ الحربِ لبنى المجتمعات.. يجعل الهوية من الأسئلة المصيرية
د. عاطف بطرس- ناقد:
«الهوية بين الماهية والصيرورة» هو ماناقشه الناقد الدكتور «عاطف بطرس» في آخرِ أبحاثِ الندوة التي بدأ موضوعه فيها: «لعلَّ سؤال الهوية من أهم الأسئلة المصيرية، لدى الأفراد والجماعات الإثنية والمجتمعات.. يزداد إلحاح السؤال، ويتطلب إجابات عليه، عندما تتعرض الهويات الجزئية والكلية إلى محاولات التذويب أو التشويه أو الإمحاء».
بالتأكيد، هو ما دفع كل سوريٍّ للتساؤل، وعلى مدى الحرب التي دمرت كل بنى مجتمعه: «كيف سيكون حال البلاد بعد السبع العجاف؟. بمعنى آخر، «ماهي هويتنا، وكيف يجب أن تكون كلها أسئلة عن الهوية التي رأى «بطرس» بأنها، ورغم تعدد واختلاف الإجابات عن ماهيتها. أيضاً، رغم الاستفسار عما إذا كانت «متشكِّلة منتهية، أو قيد التشكُّل».. رأى بأنها «ليست ماهية ثابتة، بل هي صيرورة قابلة للتشكّل باستمرار، وهي بالتالي متفاعلة مع هويات كثيرة محيطة بنا، وسواء قريبة أو بعيدة، وجدل العام والخاص في تشكل الهويات، من أعقد السيرورات في تكوينها، وقابلية استمرارها»..
ببساطة، البحث في ماهية الهوية، هو أمرٌ سيبقى يُطرح ويُناقش ويَبحثُ عن إجابات ربما لا تُقنع الغالبية ممن تعرَّضت بلادهم للأزمات والحروب، وممن سيبقى يشغلهم السؤال: «ماهي هويتنا، وكيف يجب أن تكون؟». السؤال الذي ختمَ «بطرس» بالقول بعده: «سؤال مفتوح على احتمالات معرفية هي قيد البحث والدراسة، والتفكيك والتركيب. إنه سؤال مفتوح انفتاح الهوية على التجدّد والتعدد، آخذين بعين الاعتبار أن الأسئلة المعرّفة لا يُجاب عنها مرة واحدة وإلى الأبد، فكيف إذا كان السؤال متعلقاً بإشكالية الهويات؟!».
مابعد الندوة
انتهت الندوة ولكن، أين طلاب العلم-الشباب، ممن تقصّد القائمون على الندوة تقديمها في جامعتهم، لأنهم المعنيون بالخطاب الثقافي، ولاسيما أنهم كانوا أكثر المستهدفين خلال الحرب؟!.. أين هم، وأين الأساتذة والمعنيون؟
هل وعينا ذاتنا، وهل اكتشفناها؟.. هل نعرف من نحن، وما معنى الوطن، ولِم نحن متخلفون؟..
لِم نلصق العروبة بالإسلام، وهل هي أحزاب سياسية أم أنه المخزون العاطفي المتوارث عبر التاريخ؟..
هذا وسواه من المسائل العميقة والمهمة، تم طرحه وبقوةٍ من قِبل الحضور وفي مداخلات أكدت جميعها، على أننا ولاسيما الشباب منّا، في خطر.. خطر الابتعاد عن ثقافتنا، وعن كيفية تضامننا ووعينا لخلاصنا من الحرب، وفكرها التكفيري والظلامي..

هفاف ميهوب
التاريخ: الجمعة 12-4-2019
الرقم: 16955

آخر الأخبار
انطلاق سوق "رمضان الخير" في دمشق لتوفير المنتجات بأسعار مخفضة المعتقل صفراوي عالج جراح رفاقه في سجن صيدنايا وأنقذ الكثيرين "حركة بلا بركة" تفقد واقع عمل مديريات "التجارة الداخلية" في اللاذقية خسارة ثالثة على التوالي لميلان تكثيف الرقابة التموينية بطرطوس.. ومعارض بأسعار مخفضة برشلونة يستعيد صدارة الليغا باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد"