كم تمنت أم أحمد (أم لأربعة أولاد )لو ان كاميرا ما رصدت معاناتها في مواجهة الحياة ،تتبع حركاتها من لحظة استيقاظها وحتى ارتمائها في السرير لتتوحد مع آلامها وهمومها التي تؤرقها ،ومع مسؤوليات تطوق عنقها في غياب الزوج الطويل عن البيت لتأمين حياة كريمة لأسرته معمل ليل نهار لامفر منه بحكم مبرم من عقوبات اقتصادية للنيل من مواطن سوري صمد وتحدى لتنتصر بلده وكل الأحلام والطموحات يغلبها حلم الأمن والأمان والانتصار على إرهاب حاقد جاهل وقد تحقق بفضل تضحيات جيشنا العربي السوري .
عقوبات تصادر راحتنا وتستهلك أرواحنا وتخترق الأمن والأمان الأسري لانشغال رب الأسرة الدائم بتأمين لقمة العيش وتفويض مسؤولياته إلى الزوجة الأم التي هي الأخرى مضغوطة ومرهقة .
تعب متكرر ومعاود ..وأسبابه كثيرة :
إنهاك حقيقي وليس من نسج الخيال تشعر به أمهات وآباء هذه الأيام وأعراض اضطراب متلازمة التعب المزمن يعاني منه الكثيرون ،وتعريفا بهذا المرض وأسبابه تقول خولة طلعت فلوح المرشدة النفسية والمدربة في مديرية الصحة النفسية :اضطراب متلازمة التعب المزمن هو التعب الشديد المتكرر والمعاود والذي يزداد بممارسة نشاط بدني أو ذهني ولا يتحسن بالراحة المؤقتة ،ولا يمكن تفسيره بأي حالة طبية كامنة ،وقد يمنع المصاب بالقيام بالمهمات العادية ،ومن أهم أعراضه الوهن العصبي ،ألم عضلي ،صداع نصفي ،ألم مفاصل وقلة تركيز وضيق تنفس ومشكلات بلع ،وتؤكد المرشدة خولة إنه لا يوجد اختبار يشخص هذا المرض إنما يجب على المريض الذي يشعر بالتعب المزمن إجراء مجموعة من التحاليل الطبية لاستبعاد أي مشكلة صحية تتسم بذات الأعراض وللتخلص من هوس وقلق احتمال وجود مرض جسدي .
وقد يستغرب البعض أن من الأسباب المحتملة لهذا المرض متعدد الأسباب أن يكون سببه التهاب الحلق المتكرر والذي يعاني منه البعض ويتعايشون مع ألمه بمزيد من المسكنات دون مراجعة الطبيب لعدم وجود الوقت ،ولأنهم يعتقدون أنها مشكلة صحية عابرة وتحت السيطرة ،وربما يتفاجأ البعض أن يكون سبب التعب المزمن هو عدم انتظام الأسنان في الفك أو نقص في الكورتيزون في الجسم أو اضطراب الادرينالين ،وتطمئن فلوح من يعانون من هذا التعب أنه مرض حميد في حالة غياب أي مرض جسدي ويشفى منه المريض تماما .
لا ينتهي بالنوم ولا الراحة المؤقتة:
عن هذا التعب المزمن والذي يعكر صفو الحياة الأسرية يتحدث زوج وأب لخمسة أطفال قائلا :بعد عمل متواصل لمدة يوم كامل ومنازعة من أجل البقاء يقظا خلال عملي ،استسلم لسبات عميق حوالي 12ساعة في البيت واستيقظ بعدها وأنا مازالت أشعر بالتعب والإرهاق ..بوهن عصبي وعضلي ولاجدوى للمسكنات لتعديل مزاجي العصبي وتبوء بالفشل كل توسلات أطفالي لاصطحابهم إلى أقرب محل تجاري وشراء المأكولات الطيبة والغاية هي التمتع برفقتي وأما زوجتي فإذا غامرت وبدأت الحديث عن همومها ومتاعبها ومسؤولياتها المزدوجة فإن صدام عائلي حتمي سينشب ،يقيم الدنيا ولا يقعدها وخلاف زوجي عنوانه الإرهاق المزمن ،وطبعا سيكون الأولاد هم الضحية وغالبا ما يتنازلون عن أهم حقوقهم وعن رغباتهم بجلسة عائلية خوفا من تفاقم الخلاف ،ومن فم ساكت يرضون بالأمر الواقع.
أمثال هذا الزوج والأب كثر والمؤسف أن من يحيط به لا يشعروا بتعبه المزمن ويتوقعون أن يصحو بعد راحة مؤقتة نشطا ويقوم بواجباته العائلية ويلقون باللوم والعتب عليه ويزيدون من آلامه وأوجاعه وللأسف قد يشعر بعض الأسر بالراحة حين غيابه ويتعودون على ذلك لأن حضوره في البيت شكلي ويقتصر على النوم أو التوجع من تعب مزمن .
في هذا الخصوص،تفيدنا المرشدة خولة بضرورة مساعدة مثل هؤلاء الآباء وتصديق تشخيصهم وإصابتهم بتعب مزمن، وتقديم الدعم لهم وذلك بمدهم بطاقة إيجابية وإحاطتهم بجو حنان وحب ورضا وقناعة ،ولابأس بمفردات الامتنان والشكر وكذلك الاعتناء بنوعية غذائه ومساعدته لتحسين عادات النوم والواصل معه أثناء غيابه عن البيت والسؤال عن حاله ،وتزويده بالتفاؤل والأمل .
إدمان العمل ..وغربة أسرية:
هذا التعب ليس حكرا على الرجال فقط المعيلين لأسرهم إنما أيضا النساء اللواتي أصبحن معيلات لفقد أزواجهن (موت أو خطف أو هجرة )وليس الأمر بأفضل في حال وجودهم لأن الزوجة تتحمل مسؤولية مضاعفة أمام انعدام فرصة الاكتفاء بعمل واحد في ظل غلاء افترس الراتب الهزيل ..وعقوبات اقتصادية تحاول زرع الإحباط والاستسلام لليأس وغربة أسرية تعود بالأذى النفسي والجسدي على الفرد وعلى النظام الأسري بالكامل .
الدكتور مطاع بركات ،كلية التربية ،يحذر من أن ينقلب هدف الشقاء والتعب من أجل حياة كريمة إلى حرمان الأسرة من الحياة الطبيعية، ويقول في أحد كتاباته عن هذا الموضوع :بدأت تظهر على بعض أرباب الأسر الشرقيين أعراض اضطراب معروف جيداً في الغرب هو اضطراب إدمان العمل حيث يتحول العمل الجاد إلى عادة قسرية لا يستطيع صاحبها الابتعاد عنها إلى درجة أن العمل يصبح النشاط الأساسي للفرد بالإضافة إلى النوم والأكل ،وهذا الأمر ليس حكرا على الفقراء من الرجال ،والشقاء والكد يبدأان فعلا من أجل تأمين حياة طبيعية للأسرة ويتحول هذا الكد إلى شيء يحرم الأسرة من هذه الحياة .
وتقرع المرشدة خولة جرس التنبيه من الاستسلام لهذا المرض واستسلامنا يعني ولادة مرض أخر خطير هو الاكتئاب ،وقبل الوصول إلى هذه المرحلة على المريض مراجعة دورية لطبيب الأسرة ولابأس بزيارة طبيب نفسي ووضع بين يديه مفتاح العلاج وكامل ثقته واقتناعه بعلاجه ودون أن يخفي عنه حقائق ما يشعر به خجلاً .
تعددت أسباب التعب المزمن والمطلوب واحد ..النظام في الغذاء والنوم قدر الممكن والجزء الأكبر من العلاج في حب الذات كي نحب الآخرين ..كي نعطي وحب الذات يكون بالابتعاد عن التفكير السلبي ..عن الوهم ..وفي ممارسة الرياضة ولو لدقائق معدودة وشم الهواء مع الأصدقاء والأحبة ..والقراءة ولو كانت من باب الاطلاع فقط ،والابتعاد عن الأشياء المعقدة والحرجة ..وتعلم قول (لا )في مكانها ووقتها المناسب وعلينا أن لا ننسى أن كلاً منا طبيب نفسه .
التاريخ: الأربعاء 24-4-2019
الرقم: 16963