يقول منير كيالي: «كان لموقع دمشق على طريق القوافل التجارية في قلب العالم القديم، أن لعبت هذه المدينة دورا متميزا كمحطة تجارية لقوافل بلدان العالم، وقد تطلب ذلك إقامة منازل آمنة للمسافرين يستريحون فيها من وعثاء السفر، والتزود بما يلزمهم من ماء وطعام، وعقد صفقات التبادل التجاري، أطلق على هذه المنازل عبر العصور تسميات عدة منها الوكالة، القيسارية، النزل، ثم استقر على مايعرف بالخان».
وفي عودة إلى بعض الدراسات والوثائق الكتابية العائدة إلى الألفين الثاني والأول قبل الميلاد نجدها تشير إلى تربع سورية على عرش التجارة العالمية، ونشأت الكثير من المدن والموانىء على الطرق التجارية البرية والبحرية، وانعكس النشاط التجاري ازدهارا ورخاء، نشاهد مظاهره في العمارة والفنون والمنحوتات والنقوش، ويشهد طريق الحرير على أهمية سورية التي كانت عقدة الوصل بين شرق العالم وغربه، وجنوبه وشماله، وكانت مدنها وموانئها من أهم محطاته.
وقد تطلب هذا النشاط التجاري تأمين الكثير من الخدمات للمسافرين، من بينها محطات الاستراحة على الطرق والفنادق في المدن، وكانت هذه المنشآت تحتوي على أبنية ذات وظائف متعددة تحقق كل ما هو ضروري للمسافر، وكانت هذه القوافل تحمل إضافة إلى البضائع النفيسة قيماً وعادات وعقائد الشعوب وعلومها وفنونها وخبراتها المختلفة، ما جعل من سورية بوابة للعالم القديم وجسر تواصل بين شعوبه.
ولعل الدراسة التي قام بها الباحث اللواء محمود محمد علقم وتحمل عنوان «الخانات في بلاد الشام» تتوقف عند أهم الخانات ووظائفها في بلاد الشام، وخصوصاً ما أنشىء خلال العصور الإسلامية حيث توسعت حركة التجارة المحلية والعالمية، والدور المنوط بها وخصوصاً الوظائف الخدمية الضرورية للمسافرين والتجار داخل المدن وخارجها، وتدل كثافة هذه الأبنية في سورية على أهمية هذه البلاد التي كان يتقاطر عليها كل تجار الأرض، وقد قال أحد القناصل: «إذا أردت أن تعرف أخبار العالم فتعال إلى حلب».
وكتاب «الخانات في بلاد الشام» من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب للعام 2019 قسمه الباحث إلى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، تضمن الفصل الأول منه لمحة عن أهمية موقع بلاد الشام عامة، وموقع سورية خاصة وتعريفاً بالخانات وتاريخ إنشائها ووظائفها.
ويتوقف في الفصل الثاني عند أنواع الخانات وأصنافها وإدارتها، أما الفصل الثاث فخصص للخانات في سورية، ليتبعه الفصل الرابع واستعراض الخانات على الطرق التجارية في سورية.
وأما الفصول الأخرى فخصصت للخانات في لبنان والأردن وفلسطين، ومن ثم توقف الباحث عند أسباب انحسار بناء الخانات وعدم الاهتمام بها، ومن أهمها تطور وسائل النقل في أوروبا مما قلل الحاجة إلى القوافل التجارية التقليدية، وبالتالي بدأت الحاجة إلى إشادة الخانات في المدن أو على الطرق العامة، ولكن بقيت بعض الخانات المخصصة للدواب فقط، التي وجدت على مداخل المدن لتأمين مأوى للدواب التي تعمل في النقل ضمن المدن.
والكتاب في صفحاته ال 355 جاء مبوباً ومفصلاً عبر أقسام اختص كل منها في جانب من هذا الإرث الحضاري العريق موثقا بالصور والشروحات الوافية ما يغني البحث ليكون في متناول الباحثين والمهتمين، وعلى الجانب الآخر الاهتمام بتلك الأوابد والصروح لتكون شاهدا حيا على ازدهار بلادنا وحضارتها العريقة.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 25-4-2019
رقم العدد : 16964

السابق