في غرفة الانتظار في احدى العيادات القريبة من بيتي، لفتني كمية الحب التي تعامل بها إحدى الأمهات ابنتها المريضة، والتي تعاني من آثار إصابة جرثومية في طفولتها أثرت على جميع حواسها وكانت سببا في تأخر نموها.
في نفس الغرفة أب في العقد الرابع من عمره، يكاد يحصي لابنه الذي لم يدخل المدرسة بعد أنفاسه، عدا عن لغة الشتم والسباب والإهانات مثل: اهدأ يا..، أعرف أنك غبي ولا تفهم الكلمة..في نفس اليوم وفي طريقي من عملي، هناك سيدتان برفقة احداهن طفلة تبكي طوال الوقت دون أن تعيرها أمها أي اهتمام، ولا تتردد في صفعها على خدها وهي تطلب منها أن تسكت. فكرت في كم المشاعر السلبية التي يتلقاها هؤلاء الصغار، ومثلهم الكثيرمن الذكور والإناث.وهذا مايؤثر سلبا في تكوين شخصية الطفل وذكائه، حيث يختزنها عقله الباطني، وترافقه مدى الحياة، وقد تؤدِّي به إلى العُزلة، فكيف لعلاقات الطفل الأولى أن تكون بلا حب، والطفل يُولد على الفطرة والرعاية والمحبّة والتربية الإيجابية، التي هي مزيج من العطف والحبّ والتفاهم والحماية، حتى أن علماء التربية عندما يطالبون بالحزم يرفقونه بالود، ويقولون التربية السليمة هي أن تمنح الطفل حبّاً غير مشروط، وتوفّر الرعاية التي من شأنها أن تزيد من ثقته بنفسه.
بعض الأهل لا يؤمنون بالتساهل مع الأطفال، وكذلك المعلمون بالمدارس، ونحن نقول الإيجابية في التربية ليست بالتساهل، فالإيجابية في التربية لا تعني التساهل، بل على العكس ينبغي أن يضع الأهل قوانين وحدوداً لا يفترض على الطفل تجاوزها، وحينها تتعلّم الأم والأب كيفية التفاوض وإقناع أطفالهم بطريقة فعّالة، ممزوجة دائما بالرحمة والحبّ والعطف والاحترام.
ماكنا نكتبه قبل الحرب، وقبل هذا العنف، عن التربية الإيجابية، أصبحنا اليوم بحاجة مضاعفة لكتابته والتوعية حوله، وأكثر من ذلك تدريب الناس عليه، أو احياؤه عندهم،إن أطفالنا اليوم بحاجة أكبر للمزيد من قواعد التربية الصحيحة، مثل مكافأة السلوك الإيجابي لأن لها قوّة هائلة في بناء شخصية الطفل خلال توجيه المدح، وتحديده نحو سلوك محدد قام به الابن أو الابنة، كأن يساعد أمه في عمل بسيط، وهذا غير الشعور الخاص أي التعبير عن المشاعر التي تربط بين الطفل ووالديه، فلم لا نسمع الصغار كلمات تعبر عن حبنا لهم.
إنّ الطفل كما لديه جملة من الحاجات العضوية، كالطعام والشراب والنوم. لديه أيضا جملة من الحاجات النفسية، منها الحاجة إلى الحبّ والعطف، وكلا النوعين ينبغي إشباعهما حتى يشعر بالتوازن.
صحيح أن عدم إشباع حاجاتنا العضوية يؤدِّي إلى المرض والموت، وبالمقابل عدم إشباع حاجاتنا النفسية يترك أثراً خطيراً على الشخصية، وهو يظهر في سلوك الفرد ومقدار سعادته، كما قد يظهر أثناء تعامله مع الآخرين.
مشاهدات العنف الموجهة للأطفال من الأهل تزداد، وهذا قد نرجعه إلى آثار الحرب، والضائقة المعيشية الخانقة، مما يدفعنا للكتابة والمطالبة بالاهتمام بتوعية الأهل للتخفيف من العنف ولبناء جيل سليم ومجتمع معافى.
لينا ديوب
التاريخ: الخميس 25-4-2019
رقم العدد : 16964

السابق