أعد الصحفي ديكستر فلكينز ملفاً مطولاً حول شخصية جون بولتون، تناول به العديد من القضايا المعروفة ذات الصلة بمنهج عمل جون بولتون وتصرفاته، وكان من بين الأمور المطروحة التي حواها الملف علاقته مع مقاتلي خلق والمبالغ التي تقاضاها لقاء دعمه قضيتهم وتعزيزها.
وتبين أن بولتون قد حصل على مبلغ قدره 40 ألف دولار نظير إلقائه خطاباً في عام 2016 لدعم مقاتلي خلق -المجموعة الإيرانية المنفية التي تسعى إلى الإطاحة بالحكومة في طهران، وذلك بالرغم من أن الولايات المتحدة ذاتها قد أدرجت في وقت سابق تلك المجموعة في قائمة الإرهاب، جراء ما نفذته من تفجيرات واغتيالات في إيران.
لكن على ما يبدو، أن العلاقة التي تربط بولتون مع هذه المجموعة بدأت منذ ذلك الحين، إذ قال أثناء خطابه الذي ألقاه عام 2016: “أكرر ما ذكرته قبل عشر سنوات: يجب إسقاط النظام الإيراني في أقرب وقت ممكن”.
وفي هذا السياق، قال الخبير الإيراني في مؤسسة كارنجي للسلام الدولي والناقد للنظام الإيراني الحالي كريم صادجبور: إن علاقة بولتون مع تلك المجموعة لا تؤهله لتسلم مناصب حكومية رفيعة المستوى.
وأضاف: “إن عمل بولتون سمساراً لمقاتلي خلق دليل على عدم التزامه الاستقامة والإخلاص”.
وكما ذكرت سابقاً، فإن علاقة بولتون مع مقاتلي خلق الطويلة الأمد، تعطي مؤشراً ودليلاً واضحاً، بأن مستشار الأمن القومي يحمل أفكاراً خطيرة، ويطرح أحكاماً مروعة، إذ كان في أعلى قائمة المؤيدين والداعمين لمقاتلي خلق، حتى قبل استبعادهم من قوائم المنظمات الإرهابية بحسب تصنيف الحكومة الأميركية، وبقي أحد أكبر المناصرين الأميركيين لهذه المنظمة، إلى أن انضم لإدارة ترامب.
إلا أنني اعتقد اعتقاداً راسخاً بأن هذه المنظمة مازالت تقدم له الأموال بسخاء لقاء كل خطاب ممل يلقيه ويدعو به إلى تغيير النظام، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال وجهات نظره المتعصبة والتي تتلاءم تماماً مع أفكار تلك المجموعة، ولو كان هناك نقاش سياسي سليم يدور حول إيران، فإن علاقة بولتون مع مقاتلي خلق ستقلل من الثقة في كل ما يقوله ويبديه من آراء.
وفي الواقع فإن ثمة دوراً كبيراً يؤديه في السياسة الأميركية حيال إيران، نتيجة تقاضيه مبالغ طائلة من هذه المنظمة المتعصبة، التي تسعى للإطاحة بالنظام الحالي، الأمر الذي يجب أن يثير القلق لدى الجميع، مهما كانت أفكارهم حول السياسة الأميركية.
وثمة أمر آخر جدير بالتنبه إليه، يتعلق بسياسة بولتون المحابية لإسرائيل، إذ لا يخفى على أحد علاقة بولتون الوطيدة مع المؤسسة الأمنية القومية الإسرائيلية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ألقى خطاباً عام 2018 وقال به: “ينظر جون بولتون إلى إسرائيل بصفتها جزءاً من الولايات المتحدة، ويرى تطابقاً في مصالحنا مع مصالحهم”.
ويبدو بأن هذا التقييم لوجهة نظر بولتون حول العلاقة الأميركية- الإسرائيلية صائب، ويتوافق مع ما نشهده علناً.
لكن ليس ثمة دولتان لديهما تطابق في المصالح، ولا يمكن للمصالح أن تتداخل بصورة كاملة، وليس من قبيل المصادفة انحسار السياسة الأميركية حيال النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي، ومنح المتشددين الإسرائيليين ما يرغبون به، منذ تبوء بولتون منصباً رفيع المستوى في إدارة ترامب.
علاوة على ما أشرنا إليه سابقاً، تحدث مسؤول أمني سابق رفيع المستوى، حول أداء بولتون الضعيف في القيام بالمهمة الموكلة إليه، بصفته مستشاراً للأمن القومي، إذ قال: “في ظل إدارة بولتون عمت الفوضى في الوقت الذي من المفترض أن يعمد به مستشار الأمن القومي إلى تسويغ توجيهات الرئيس وتنسيق السياسة القومية بالاشتراك مع الوكالات الحكومة المختلفة.
لكن هذا التوجه قد تم تجاوزه منذ أن تسلم بولتون هذا المنصب، كما أضاف المسؤول: “لم يضع بولتون أية أولويات، ولا أحد يعلم سياسته، وما هو مهم وما هو أقل أهمية بالنسبة له”.
لا يبذل بولتون جهوداً للقيام بعملية سياسية جيدة، لأنها ستقدم أفكاراً تختلف عن الأفكار التي يرغب إقناع الرئيس ترامب بها. ويرى بولتون بأن الفوضى وعدم التنسيق ستمكنه من إملاء ما يحلو له على سياسات الإدارة الأميركية.
ويبدو بأن ضعف ترامب وجهله، قد جعلت من مهمة بولتون أكثر سهولة، فعندما ننظر لمعتقدات بولتون الذي يرى بأن الهجوم على كوريا الشمالية تعد الطريقة “الفاعلة” للقضاء على الأسلحة النووية ينتابنا الخوف والتحسب من آرائه، إذ لايزال يعتقد بإمكانية القيام بتلك العملية، وقد نقل مصدر مطلع قوله: “من المرجح القيام بعملية الهجوم، ولا سيما أننا نعلم معظم أماكن أسلحتهم لذلك بإمكاننا شلّ قدراتهم النووية، كما ثمة عدة أساليب للتعاطي مع مدفعيتهم”، وعند السؤال حول تداعيات وعواقب تلك العملية وما ستسفر عنه من إصابات قال: “كنا نتمى لو لم نصل إلى تلك المرحلة، لكن الخيار العسكري لايزال قائماً”.
ولكي نعتقد بأن الولايات المتحدة لن تقدم على اتخاذ أي إجراء عسكري ضد دولة أو عدة دول في غضون العامين المقبلين، فإنه يتعين أن تكون لدينا القناعة أن بولتون لم يتمكن من تحقيق رغبته نظراً للخلافات التي تدور داخل الإدارة، لكن حتى هذا الحين، مازال بولتون يفرض آراءه في كل مرة، إذ يطرح الملف الذي أعده فلكينز بأن ترامب بصفته شخصية “انعزالية” لا يرغب بالتدخل في الشؤون الخارجية، لكن الوقع يؤكد عدم صوابية تلك المقولة، فلو كان ترامب انعزالياً، لما عمد إلى تنصيب بولتون، ولما عمد إلى الدفاع عنه في مواقف شتى، وقد بدت قدرة مستشار الأمن القومي في إقناع ترامب مرات ومرات، لكونه يعلم كيفية التملق للرئيس، الذي يبدو بأنه شخص ينزع إلى الحروب، وليس لديه أية مشكلة مع ما يحمله بولتون من أفكار حول السياسة الخارجية التي تقوم على “قصف الدول”.
ويضاف إلى ذلك، فإن رغبة ترامب في الظهور بمظهر الرئيس القوي، جعلته يقبل بأفكار بولتون المتشددة.
ويبدو بأن وجهات نظر منتقدي ترامب حيال إسناد منصب مستشار الأمن القومي لبولتون قد كانت بمحلها، لذلك سيرافقنا القلق على مدى العامين المقبلين، وهي المدة المتبقية للرئيس الأميركي في سدة الرئاسة.
The American Conservative
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 3-5-2019
الرقم: 16970