يفيد التقرير السنوي الذي صدر هذا الأسبوع عن المعهد الدولي للأبحاث حول السلام في استوكهولم أن الانفاق على التسلح بلغ أوجه للعام 2018 منذ نهاية الحرب الباردة حيث تجاوز 1800 مليار دولار أي بزيادة قدرها 2,6 % نسبة لنفقات العام 2017 وعلى وجه الخصوص فإن الإنفاق الأمريكي زاد 4,6 % في العام 2018 ليبلغ 649 مليار دولار وكان دونالد ترامب قد وقع على موازنة قدرها 686 مليار دولار للعام 2019 وطالب البنتاغون بمبلغ 718 مليار دولار من أجل العام 2020 ويرى مكتب الموازنة في الكونغرس أنه إذا بقي التوجه المالي على هذا النحو فإن الولايات المتحدة ستنفق سبعة آلاف مليار دولار على قواتها العسكرية خلال العشر سنوات القادمة وهو مبلغ يعادل في مجموعه اعتمادات جميع القطاعات الأخرى من تعليم وبنى تحتية وبرامج صحة.
إدارة ترامب تصرف مبالغ هائلة لتحديث وتطوير الترسانة الأمريكية استعداداً لصراعات كبرى مع الصين وروسيا التي تأتي في أولوية أهدافها فالبنتاغون يتأهب لصرف خمسمئة مليار دولار خلال السنوات القادمة لتحديث جميع مايلزم السلاح النووي من صورايخ بالستية عابرة للقارات وبالستية بحرية وقاذفات استراتيجية ومع أهدافها المستمرة للسيطرة على العالم رغم تردي وضعها الاقتصادي تتجاوز الامبريالية الأمريكية حلفاءها وأعداءها في موضوع النفقات العسكرية ففي العام 2018 تجاوزت الولايات المتحدة في إنفاقها بمرتين ونصف الصين الخصم الاقتصادي وأكثر من روسيا بعشر مرات التي تعتبرها التهديد الأكبر لها وهذا الدعم العسكري الهائل يحصل بدعم جميع المؤسسات السياسية دون أدنى احتجاج فالانتقاد الرئيسي من الحزب الديمقراطي فقط كان بخصوص ترامب وقد جاء من اليمين يطلب دعماً عكسرياً وتهديدات بالاعتداء ضد روسيا.
المملكة السعودية الدموية الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط جاءت بالدرجة الثالثة في الإنفاق العسكري بعد أن كانت الأولى في العالم في الانفاق المضاف إلى الانتاج الاقتصادي مع 8,8 % من الناتج الداخلي أو 67,6 مليار دولار وكانت ادارة أوباما قد أرسلت ماقيمته 110 مليارات دولار من السلاح الى المملكة خلال ثماني سنوات وقد استمر ذلك الامداد في عهد ترامب رغم أن السعودية ومنذ أكثر من أربع سنوات تشن عدواناً على اليمن باستخدامها طائرات قتالية وقنابل أمريكية على شعب لا يستطيع الدفاع عن نفسه فتقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وتدفع الملايين إلى حافة الجوع.
من جهة أخرى لم تصنف روسيا بين الدول الخمس الأوائل في هذا المجال حيث انخفض إنفاقها العسكري للسنة الثانية على التوالي وتقدمت عليها فرنسا (63,8 مليار دولار) والهند 66,5 مليار دولار . ألمانيا انتقلت من الدرجة التاسعة الى الثامنة عالمياً حيث أنفقت حوالي 50 مليار دولار في العام 2018 وكانت حكومة برلين قد أعلنت بأنها ستفّعل دورها في التدخلات العسكرية الخارجية لاثبات موقعها كقوة اقتصادية أولى في أوروبا وتنوي تخصيص 1,5% من دخلها القومي الاجمالي الى نفقاتها العسكرية حتى العام 2025 هذا ويتم تقديم موسكو برئاسة فلاديمير بوتين على أنها التهديد الوشيك لدول أوروبا الوسطى والشرقية لا بل على الديمقراطية الأمريكية ذاتها بالمقابل فإن تحالف الناتو ينفق 963 مليار دولار أي أكثر من روسيا بـ 16 مرة منذ عام 2016 فضلاً عن انتشار الآلاف من جنوده في بلدان أعضاء الناتو وتشير أرقام المعهد الدولي الى أنه بعد حوالي ثلاثة عقود من تفكك الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة وصعود النظام الاقتصادي الرأسمالي تجد الإنسانية نفسها مهددة بسباق تسلح جديد والامبريالية الأمريكية في مقدمة هذا السباق الذي يهدد باندلاع حرب عالمية كارثية بين القوى النووية وكما حصل أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية فإن انقسام العالم الى دول وتحالفات تتنافس على السيطرة على الموارد وعلى نقاط جيوستراتيجية يهدد العالم مرة أخرى بالكارثة.
هناك قادة يتنافسون في الترويج لمصالحهم الاقتصادية المحلية والعالمية ويبددون كميات هائلة من الموارد على حساب طبقة العمال العالمية حيث تشير معطيات معهد الأبحاث هذا إلى أنه خلال ثلاثة عقود الأخيرة أنفقت دول العالم هذه أكثر من 41 مليار دولار لبناء ترسانات للموت والتدمير حول العالم.
الولايات المتحدة ومنذ أكثر من ربع قرن متورطة في حرب لا نهاية لها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وهي تتحضر الآن الى «نزاع بين قوى عظمى « مع الصين وروسيا والقوى الامبريالية الأوروبية تتسلح لحماية مواقعها الجيوسياسية العالمية كما يبحث قادتهم عن ايجاد آلية لاستثماراتهم وتطويع الشعوب في تحضيراتهم للحرب.
طبقة العمال العالمية التي خرجت في الأول من أيار بشكل لافت هذا العام يجب أن تتحرك من أجل وضع حد للسباق المجنون الى حرب تهدد البشرية جمعاء وقد شهدت المرحلة الأخيرة اهتماماً متزايداً في نضال الطبقات على الصعيد الدولي من تظاهرات الستر الصفراء في فرنسا إلى إضراب المعلمين في الولايات المتحدة واضطرابات العمال في المكسيك وقد تطورت هذه الحركات بمعزل عن النقابات وعن التنظيمات السياسية المقربة من الرأسمالية، إن النضال اليوم هو ضد صعود الفاشية والشمولية وضد الحروب ومن أجل الدفاع عن سجناء حرب الطبقات مثل جوليان اسانج و تشيلسي مانينغ اللذين خيم الصمت على قضيتهم.
عن موقع فالمية
ترجمة : مها محفوض محمد
التاريخ: الجمعة 3-5-2019
الرقم: 16970