ثمة مثل شعبي متداول، يستخدم حين تصل الخيبات مع المرء إلى ما لايمكن تحمله (اجى المحزون يفرح ما لاقى له مطرح) وربما له صيغ أخرى كثيرة (مثل المنحوس منحوس لو ..أو حظنا أسود بكل شيء إلا البطيخ بيصير أبيض) دلالات كثيرة ليست عن عبث ولا هي عابرة، وربما يمكن استعارة القول:الجرح لايؤلم غير صاحبه، مهما تألم الآخرون معك، وذرفوا الدموع، أنت بالمحصلة وحدك تكابد ألمك، تعيش نزيف جرحك، هكذا هي الحال في الدنيا، هنا عرس، وهناك مأتم، هنا ولادة وهناك رحيل، معادلة لايمكن تغييرها أبدا، وحالم بالصعود إلى القمر سيرا على الأقدام من يظن أنه يمكن فعل شيء تجاه هذه الحال.
ولكن، ماذا لو كان الجرح جماعيا، كبيرا، أوسع من خريطة قلب ومدينة، يصل إلى كل بيت، نعم في كل بيت من بيوت الفقراء الذين لايرون الوطن فندقا ومغنما، وليسوا تجارا، ولا أموالهم جاءت بطرق..في بيوتهم (رنة وعويل) ويأتيك من يرقص على الجراح، عن قصد أو دون قصد، ليالي الأنس من فيينا، كانت أمس بسهرة تلفزيونية، صخب مطاعم، ونرجيلة، وعوالم السحر التي تخلب وحديث تطعمه (بردون) من الضيفة لزميلتها الممثلة الأخرى، بردون لا هو عبد الله البردوني، ولا أي أمر آخر، إلا كلمة عذرا أو عفوا، بردون منكم لا أعرف بالضبط، تابعت المشهد، صراحة انتابني أكثر من شعور، قلت: حق الناس أن تعيش، وهذا نبض سورية الحياة، القدرة على الاستمرارية ولكن وسواسا آخر انتابني: وماذا عن أم أربعة أو خمسة شهداء تتابع الحفلات الصاخبة، وترى المال يغدق من كل حدب وصوب على هذا اللهو والترف، وليس على ذوي الفاقة، قد يقول قائل: إنه رعاية خاصة، ونحن نقول: نعم، ولكن أليس من حق من قدم وضحى شيئا من مثل هذه الرعاية؟
ماذا عن هؤلاء المترفين الذين لايعرفون كيف يصرفون ما يأتيهم، هل كانوا هنا، لولا دماء من ارتقى، بل لماذا تصمت حكومتنا عن جباية الضرائب من هؤلاء، وشط بي الخيال إلى السؤال: ماذا لو أن الشهداء من عليائهم: يرقبون هذا الليل الهادر بكل المغريات بمكان ما، لطبقة ما، ونظروا إلى أطفالهم حيث البؤس وليالي القهر والعذاب واللوعة..ماذا سيقولون؟
بل السؤال الذي طرحه أحدهم: لماذا هذا الصخب وغدق الأموال على برامج فيها التهريج وافتعال الحركات من قبل ممثلين نخجل أن نقول لهم: (عيب، عيب) تائهون حائرون وفقراء بمكان، بل بأماكن كثيرة ونبحث عن أسطوانة غاز وربطة خبز، نرابط قرب محطات الوقود للحصول على بضعة ليترات من المازوت أو البنزين، نهان من قبل أي سائق سيارة أجرة وندفع دمنا لنكمل يومنا، يسرقنا التاجر ويمص دمنا، ويخرج مسؤول علينا: نسمع له مرة ومرات، وإذا ما يقوله، في مهب الريح …
ماذا لو أن جزءا مما يصرف بليالي الأنس حول إلى ليالي البؤس؟ أسئلة كثيرة، لا أدري من سيجيب عليها، لكن كل ما أعرفه أن مساحة الفرز الطبقي اتسعت وصلت إلى حد الصدع، وثمة من مازال نائما بالعسل، من حكومتنا الموكلة بنا، لا أدري ليسوا على مستوى فعل جندي سوري غيّر الكون كله؟
وحتى لا أنسى سؤال زميلي أمس الذي قال لي: جاري يعمل بمكان كذا وكذا في مرآب بيته ثلاث سيارات لا تتوقف ليلا نهارا، هل المكان الذي يعمل فيه تمشي سياراتهم على الهواء ؟ نعم أظن ذلك لكن على (الهوى) وليس الهواء.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 10-5-2019
الرقم: 16974