لاشك أن للتاريخ دوراً كبيراً في حياتنا فنحن مرتبطون به بشكلٍ أو بآخر، وهو السجلّ الكامل والدليل الحاضر لمختلف الوقائع التي وقعت منذ أن بدأت الكتابة على وجه الأرض إلى يومنا هذا…. وهنا لابد من أن نذكر ما قاله ذات يوم الفيلسوف الأميركي جورج سانتايانا عن دور التاريخ في تعزيز حضور الأمة وتفردها، «بلد بلا ذاكرة هو بلد من المجانين».
(تعليم التاريخ عبر التاريخ) عنوان كتاب صدر للباحث زهير ناجي عن الهيئة العامة السورية للكتاب ب280 صفحة من القطع الكبير… يبحث من خلال فصوله الستة حول مادة التاريخ وتعليمها منذ فجر التاريخ وحتى اليوم, شارحاً أهمية التاريخ كمادة تعليمية في تربية الأجيال ونشأتها.
يقول المؤلف أنه حين يصنع الناس تاريخهم, فإنهم يعكسون واقعهم أي مصالحهم وأفكارهم وأمانيهم, وبالتالي فهم يشعرون بذاتهم, ويؤكدونها حين ينقلون خبرتهم عن هذا الماضي إلى أولادهم, وقد أدرك الناس ومنذ أقدم العصور إلى أهمية الماضي وضرورة نقله، ذلك أن الماضي أي التاريخ هو شعور الجماعة بذاتها وهو ذاكرتها الحية.
ويضيف ناجي: إن التاريخ صنع ونقل ودوّن ليُعلم ولينقل جزءاً من خبرة الأجيال, وإنه أصبح مادة رسمية منذ بدأ تعليمه وإنه كان يعلّم باستمرار ودون انقطاع لدى كل الشعوب ولكن بأشكال مختلفة حسب ظروف تطور المجتمعات وأساليب التربية السائدة.
يستعرض الكتاب عملية تعليم التاريخ لدى الشعوب البدائية وفي عصور التاريخ الأولى, ولدى شعوب الشرق القديم واليونان والرومان.. كما يعرض تدريس مادة التاريخ في أوروبا في العصور الحديثة.
ويتحدث الكتاب أن معتقدات الجماعة البدائية هي جزء من تاريخها الحقيقي أو الأسطوري الذي تناقلته في أساطيرها وأقاصيصها وأشعارها, وأن المرويات الشفوية عن ماضي المجتمعات البدائية التي كان يرويها الراوي الشعبي والتي كانت تجمع بين الحقيقة والأسطورة وتتحدث عن ماضي الناس وهي تقصد الحاضر والمستقبل خلال محاولتها صياغة أفكار الناس وترسيخ ولاءاتهم وتوجيه ميولهم كان تناقلها يتم بالأساس لغرض تعليمي.
ويعرّج الباحث إلى أن مصر الفرعونية كانت أقدم من اهتم بالتدوين التاريخي ذلك أن تاريخها عريق موغل في القدم، كما أن كتابتها الهيروغليفية من أقدم الكتابات المعروفة إن لم تكن أقدمها.
أما أماكن رواية مادة التاريخ وتدارسها وتدريسها في العصور العربية والإسلامية المختلفة.. فكانت تجري في الجاهلية في البيوت عن طريق الآباء، وفي أماكن العبادة الوثنية التي يحج إليها الناس، وفي الأسواق التجارية الموسمية والدائمة التي كانت مدارس حقيقية للفكر كسوق عكاظ، وفي الأندية التي يجتمع فيها علية القوم كندوة قريش، ومجالس السمر القبلية… وكان معلمو هذه المادة هم النسابون والقصاصون والإخباريون والشعراء والخطباء والكهان والمتنبئون.
وفي المجالس الخاصة، كقصور الحكام والأمراء وبيوت المثقفين والأغنياء ودكاكين الوراقين. كان التاريخ علماً يطلبه الطلاب، ويهرعون إلى أساتذته، يتتلمذون عليهم، ويغترفون من مناهلهم.
ويقول ابن خلدون حسب الكتاب: إن التاريخ يعلمنا تنمية مفهوم السببية, والتعليل التاريخي, وربط الأحداث بأسبابها, وبالتالي تكوين عقل مستنير قادر على تفسير الاحداث ونقدها نقداً موضوعياً.
وفي الفصل الرابع من الكتاب يتطرق المؤلف إلى تدريس التاريخ في أوروبا في العصور الوسطى والحديثة والمعاصرة، ثم في الولايات المتحدة الأميركية. ليستعرض في الفصل الأخير آراء بعض رجال التربية وعلم النفس، في تعليم التاريخ في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين.
ويجيب الكتاب على أسئلة مهمة عبر المضمون الذي احتوى من مثل: ماذا عن مادة التاريخ وتدريسها منذ فجر التاريخ ومروراً بالعصور الكلاسيكية ؟.. ما سمات تدريس هذه المادة عند الغرب والأوروبيين ؟
ويبين المؤلف في كتابه أن التاريخ كمادة تعليمية أسهم باقتدار وعبر العصور المختلفة في تربية الأجيال ونشأتها، وبما يؤكد أهمية التوظيف الرشيد لهذه المادة في مدارسنا بما يخدم القضايا العادلة لأمتنا.
يوثق الكتاب لجملة آراء حول قيمة التاريخ وأهميته كمادة دراسية تربوية، ومن بين أبرزها آراء مفكرين أجمعت على أنه حين يُدرس التاريخ على أنه سجـل حياة الإنسان الاجتماعية، فإنه يصبح زاخراً بالمعاني. بمعنى آخر: لا بد من التفريق بين علم التاريخ وتدريسه، فتـــدريس التاريخ يمكن أن يرتبـــط بمشكلات الحياة وحاجاتـــها ليصبح له معنى..
ammaralnameh@hotmail.com
عمار النعمة
التاريخ: الأحد 12-5-2019
الرقم: 16975