ملحق ثقافي:
تعد الأديبة المبدعة قمر كيلاني من الأديبات اللواتي دخلن معترك قضايا الأمة وهمومها السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية؛ ورفضت أن تكون مجرد متلقية للأحداث الكبرى التي تكبل الحاضر العربي، ما جعلها تمتشق قلمها تعالج من خلاله أدباً واقعياً نضالياً على الصعيد الوطني والقومي وتتناول فيه كثيراً من الظواهر المرضية التي غدت آفة سياسية واجتماعية وثقافية تستهلك أعمار الناس وأزمانهم، كما أنها سلطت الضوء في مقالاتها وأعمالها على عادات الكسل والتبلد التي سيطرت على أبناء المجتمع ولا سيما المرأة التي أرادتها أن تكون كينونة فاعلة ذات إرادة مستقلة.
قمر كيلاني هذه الأديبة المبدعة التي أغنت المكتبة العربية بعدد وافر من القصص والروايات التي حملت الهم الوطني، ورفدت الفكر العربي بكم كبير من المقالات التي خطها قلمها في عدد من الصحف السورية والعربية وعالجت عبرها العديد من القضايا التي تهم الشارع العربي بعمومه، احتفت بها ندوة الأربعاء الشهرية التي تقيمها وزارة الثقافة، وتضمن هذا الكتاب الذي حمل عنوان (قمر كيلاني.. الريادة والالتزام)، إعداد وتوثيق: د. حسين جمعة، ونزيه الخوري، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، تضمن وقائع هذه الندوة التي تصدى للحديث فيها عدد من الكتّاب والأدباء.
افتتحت الكاتبة لينا كيلاني ابنة الأديبة وقائع هذه الندوة مبينة أن حديثها عن قمر كيلاني سيتضمن بمعظمه التماس الجانب الإنساني في العلاقة التي تكون عادة بين الأم والابنة. فقمر كيلاني كما تقول ابنتها لينا لم تكن أماً فحسب، بل كانت الحبيبة والصديقة التي رعت ابنتها بحب وعناية، وأحاطتها بالتفهم والاهتمام، فهي لم تُقحم حضورها في حياتها، بل تركت لها المجال رحباً كي تختار، مع كل ما يفرضه هذا الخيار من التزامات تترتب عليه. كما أن قمر كما تصفها ابنتها لينا هي سيدة تمتلك قوة الإرادة، والثقة العالية بالنفس، مع كم كثير من العاطفة، واللطف، ورهافة الحس، إلى جانب هاجس وطني، وهم قومي كانا لا يفارقانها وبرزا جلياً في جلِّ أعمالها.
أما الأستاذ بديع صقور فيرى أن: «أقنومان لا يفترقان.. الحب والوطن.. فمن حقول الحب يسطع الوطن أزهاراً وأشعاراً وبطولات ورموزاً.. شهداء وأناشيد.. فجراً وضياء».
وعلى ضفاف بردى تسرح جدائل «الفراشة الذهبية» فتفتح عينيها.. الحب، والكره.. ولأن الياسمين لا يعرف أن يكره أبداً.. تختاره أقنوماً ثالثاً.. تلك هي قمر كيلاني.
ويتناول الأستاذ ناظم مهنا في ورقته الحديث عن الواقعية النقدية في أدب قمر كيلاني، فيؤكد أن مفعول الواقع يظهر في أدب كيلاني بتفاعل حار، وبصدق وبروح تحليلية استكشافية، دون الوقوع في البكائيات أو الكآبة أو النكوص. والواقع هو المادة الأساسية في روايات قمر كيلاني لكن ليس بوصفه انعكاساً، بل بوصفه مصدر تجربة وفكر ووعي، وحركة استنباط قوانين وأحكام، ورصداً لتحولات سياسية واجتماعية وثقافية عاشتها الأديبة. والقضايا التي تطرحها كيلاني في أعمالها هي قضايا جريئة، وتعبر عما تراه من هواجس وتطلعات، تنقد المجتمع والعلاقات الاجتماعية، نقداً صريحاً ومرمزاً أحياناً، دون تجريح أو خروج عن المألوف، كل ذلك دون هجر للأناقة التعبيرية التي امتازت بها الأديبة، وجعلتها قريبة من الروح المحافظة الأرستقراطية، وقد يُلمس في هذا تناقض بسيط، ولكن هذا التناقض هو من سمات الإنسان الحديث.
من جهته أبحر د. حسين جمعة في قصص الأديبة قمر كيلاني ورواياتها التي عدها من وجهة نظره تجسيداً لما كانت تؤمن به الكاتبة من منظومات معرفية وخلقية، وقيم وطنية وقومية؛ ولهذا فما من أزمة مر بها الوطن أو الأمة إلا ونزفت معها قمر ألماً، وتجرعت حسرة وقد انعكس ذلك في عدد من أعمالها كروايتها (الدوامة) الصادرة عام 1983 والتي تعد أنموذجاً صارخاً ينطق بمأساة العرب إبان هزيمة 1967. وروايتها الأخرى (الهودج) الصادرة عام 1979، والتي تناولت فيها الكاتبة هموم أمتها، وقضاياها الاجتماعية، وبخاصة قضية العرب المركزية (فلسطين)، والصراع العربي الصهيوني؛ فالموضوع الفلسطيني كان حاضراً في هذه الرواية وبقوة، ولم يكن يجري على الهامش، وقد تمسكت كيلاني فيها بكل براعة بمعالجة قضية الأمة المركزية، وفجرت في النفوس حالات عدة من الغضب، بسرد يكتسب عفوية شديدة، ويقوم على تنوع الحدث ابتداء من مفهوم الهودج.
التاريخ 14-5-2019
رقم العدد:16977