يتساءلون عن وطن الصمود والصامدين، كيف يمكن لهذه الجغرافيا الصغيرة أن تدير سياسة العالم، لتصبح بوصلة التغيير، أهي معجزة؟! في زمن لم يعد للمعجزات حضور. السر في إرادة شعب أقوى من الزمن، حيث لا تغيب الشمس طوال إشراقه.
عندما يصدح صوت مصابي الحرب، على مسامع الدنيا ومن فيها، بأن الجولان لنا، تظهر ملامح المعجزة لمن لا يصدق بأن الجيش العربي السوري هبة الرحمن لوطن جعله سهماً في كنانته منذ بدء الخليقة، فمن لم يعد يقوى على حمل السلاح، ما زال يقدر على حمل الكلمة الطلقة، فكما أصابت رصاصته عدوه في مقتل، كذا كلمته قاتلة.
سورية أرض لحن الحياة الأول، غنته أورنينا في مملكة ماري، يتجدد مع كل أزمة تحل بهذا الوطن الأغر، زغرد أهلها وصدحت حناجرهم، عندما زين شهداؤها ساحة المرجة، جعلوا منهم قناديل علقت على صواري المجد، رتبت حزنها ورمت العويل.
أصوات تخترق زمن الحريق، تصدح في وطن سكنه الموت لزمن، سقى فيه هؤلاء الأبطال أعداءهم اللعنات من كؤوس الخيبة والهزيمة، تساءلوا كثيراً ما الذي يجري بهذا البلد؟؟.. كتبوا على أرصفة الشوارع وجدران الحارات، وجوهنا منك يا وطني.
أطلقوا الرصاص مع أسمائهم على من دنسوا الأرض الطهور، صرخوا في وجوه أعدائهم ارحلوا عن ديارنا، كان عليكم ألا تمروا من هنا، زمنكم خطأ، وقعوا تحت نعالهم جثثاً عفنة هامدة.. لكن ندوباً رَسَمَتْ أوسمة النصر على أجسادهم المعجزة.
ظن أعداؤهم أنهم اعتمروا قبعات النهاية، وركنوا في زوايا البيوت، ناسين أنهم صناع الحياة، هم كأنوار الإله المخزونة في براعم النبت تحت الثرى، تنتشي من هطل حبه وهطل الثلج على أوديته، تدثرت بهم شوارع الانتظار، فجاء خطابهم أغنية للعالم.
طردوا طيور العذاب التي حامت فوق رؤوسهم، وكتبوا، لا نهاية لطريق المعجزات، عادوا إلى دورهم ضاحكين مستبشرين.. من مقتطفات الكلمات التي رنَّموا أورقة ظلالٌ وارفة اختبأت بين طياتها أكاليل غار، تنتظر رؤوس المنتصرين في إدلب.
هؤلاء الشبان أمتعوا السامعين بمتانة ودقة اللغة عبر الكلمات، فخامة الجولان وما حافه من تعبير وجداني يبقيه متجدداً في الذاكرة، فلا يمكن للشمس أن تبقى محتجبة وراء السحب، المفاجأة كانت في الدموع التي اغرورقت بها عيون الحضور، تركت بعض الأرق من صدى ما سُمِعَ، مسكوناً في جوارح القلوب، يحفظها من الاندثار.
أمر يحتاج من الجميع الإمعان في المشهد، كيف يمكن الاستفادة من التطور الذي أنجزه العالم المتقدم لأجل هؤلاء الشبان. ليفارقوا قدر المستطاع ندوب الحرب تباعاً. فتهطل أنداء السَحَرِ على أرواح لم يواري الثرى أجسادها، شهداؤنا الأحياء.
صدحت الأصوات بعز الوطن والإصرار على عشق كل ذرة تراب ممزوجاً بعظمة ما أنجزوا، سقيا لأرواح أحبابهم، ناشرين عبير ورود وهبتها الطبيعة لرفاتهم في جنان الدنيا، التي حضنت آخر منازلهم فيها، ربيع حقيقي يَهْدي الطريق إليهم.
عشق الأرض الذي ترسخ عبر الزمن؛ في وضاءات أبنائها، وإشراقات نفوسهم، لا يمكن أن تطفئه الرياح التي أصابت الوطن. مهما كانت عاتية.. لا بل غيَّرَ الأبطال اتجاهها، لتذر الأحلام التي لوثت عقول الطامعين، فترد مكائدهم إلى نحورهم.
معارك حربنا مع العدو الصهيوني، مهما تغيرت أدواته ووجوه حملة مشروعه ولباسهم، من زرعوا الإرهاب في أرضنا، وسقانا الموت في مفارق طرقاتنا سنين، نام بيننا وفي غرفنا كالضباب، فلم يسلم منه الأطفال ولا العابرون، شابات وأمهات.
لم تنته هذه المعارك فهي متعددة الأساليب والخطط.. لكننا منتصرون بإرادة من عشقوا لحن الحياة، ورنموه في المعامل والحقول، خلف الآلات وعلى البيادر، والمعركة الأكبر في ساحة النصر عندما تكون المصداقية بين المواطن والمسؤول هي السلاح الأمضى في تحرير الوطن من كل البراثن المحيقة به وفيه..
شهناز صبحي فاكوش
التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979