فيك الخصام وأنت الخصم والحكم, قال المتنبي ذات يوم مخاطبا سيف الدولة الحمداني, وربما علينا أن نكمل من القصيدة قوله:
أعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
ربما يسأل الكثيرون: ولم هذا الاستهلال الشعري ومن عظمة المتنبي, وهذا حق وضروري, لأن المسألة كبيرة وعلى مكانة عالية من الاهمية, منذ عقود من الزمن ونحن كإعلام في مرمى الاتهام, تارة من هنا, وتارة من هناك, ونسي الكثيرون أو تناسوا أننا صورة مجتمع إن كان صحيحا معافى فنحن كذلك, وإن كان مريضا فالأمر أيضا أكثر صحة, ومع ذلك من كل حدب وصوب توجه السهام لنا, ممن حقه, وممن لايعرف الف باء الإعلام, القصة طويلة, تختزل بالقول: كل من في سورية على ما يبدو يفهم بالاعلام أكثر من الإعلاميين أنفسهم, يضاف إلى ذلك المعضلة الجديدة التي حلت بالإعلام السوري, او الصقت به, الإعلام الرقمي الألكتروني, تشعباته, مشتقات الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.. وهنا يحضرني ما قاله مخترع المسدس حينها: الآن تساوى الجبان مع الفارس الشجاع, واليوم مع وجود هكذا مواقع تساوى محمد حسنين هيكل مع آخر طفل بيديه محمول موصول بشبكة زرقاء, فهيكل أصبح خارج السياق, والطفل صار المقرب المدلل.
بعد ثماني سنوات من طوفان مواقع التواصل الاجتماعي في سورية وفورة المواقع المدعومة من هنا وهناك, الحصاد الآن: مر ومذاقه علقم,لن يختلف اثنان على أن الكثير من المؤسسات الحكومية منذ سنوات رأت أن مواقع التواصل هي الإعلام الحقيقي, ولذا يجب الاعتماد عليها ودعمها بكل قوة, ليكن ليس خطأ هذا, وعلى هذا المبدأ تشعبت وتفرعت المئات منها, ناهيك عن ملايين الصفحات الفيسبوكية.. وبالعودة للمواقع, بعضها يدبج المديح لهذا وذاك, بعض المديرين والمسؤولين, شكلوا جيشا من الموظفين فقط لكتابة ما يسر الخاطر, والرد هنا وهناك, وصار الاعلام الالكتروني محركا وموجها, حتى أفلت الأمر وغدا ضربا من الجنون, نحصد نتائجه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألسنا نحن من جعله هكذا,تسألون كيف..؟ نعم: كيف, تم إهمال أي إعلام آخر غيره, إذاعة, تلفزة, ورقي, غدا الإعلام الالكتروني الشغل الشاغل للجميع, على خلاف ما في العالم كله, وبالوقت نفسه ربما يقول أحد ما: من حق الجميع أن يجد متنفسا يعبر فيه عن همومه, يراقب, يتابع يشكو, نقول: نعم, وقد كان هذا في برامج إذاعية وتلفزية وصفحات جرائد عملت جهات كثيرة على تجاهلها, فسدت منفذا كان متنفسا بغض النظر عن النتائج, مع انه كان يقدم نتائج, وثمة استجابات كثيرة كانت من الجهات المعنية, اليوم, لا أحد يمكنه أن ينكر أن الفيسبوك متنفس للكثيرين, ولكنه ايضا بالخلطة العجيبة يقود إلى الكوارث, ترى ماذا لو جربنا إعادة المنافذ التي كانت وعدنا إليها بطريقة أكثر جاذبية ومرونة, وقدرة على معالجة الهموم والآلام..؟
بالتأكيد: الامر سيكون إيجابيا, واعرف من التجربة أن الكثيرين لايصدقون أن الإعلام غير قادر على التأثير, اعني إعلامنا, كثيرون يسألون: أين دوركم, لماذا لا تكتبون, نحن نريد المعلومات من مصدر موثوق: صحافة مقروءة، مسموعة، مرئية، لماذا تركتم الساحة للآخر..؟
لكن هل يعرف هؤلاء أن الجهات التي تشكو من هذا الجنون هي التي مازالت تضخ الزيت وتضرم ناره, مازالت المواقع توظف العشرات والمئات للبروظة, لتلميع هذا وذاك من المعنيين,وهل تلاحظون مثلا أنه في كل المسابقات التي تجري ورمضان ملعبها أن الهدية هي محمول, وفورا موصول بشبكة, لسنا ضد ذلك, ولكن: هل غدا المحمول في أيامنا هذه للاتصال الصوتي..؟
في المدارس والمنازل وكل مكان: طوفان الدعوة للعودة إلى الأنترنت والبحث عن كذا وكذا,اكرر للمرة الالف: كيف لنا أن ندعو طفلا للبحث عن معلومة وأمامه بحر من المخاطر, لن أقول إلا: ابحثوا مثلا عن موقع جغرافي سوري, سأفترض أن طفلا صغيرا طلب منه أن يبحث عن…ماذا سيجد؟ أترك الجواب لكم, بل: أقول لكم: قبل كل شيء سيقدم له الموقع كل السموم عن سورية والدولة قبل الوصول إلى المعلومة, لسبب بسيط أننا بغابة زرقاء شاغلوها متوحشون, ونحن لن نضخ فيها إلا مثالبنا, ونجمل صورة من..
هل فكرت جهة ما في طوفان الغدق المالي برمضان أن تكون الهدية مثلا: مجموعة من الكتب, دعوة لرحلة سياحية, لاقدر الله وأبعد المرض (قبول استشفاء) إعانة لإنجاز مشروع ما, كل ضخكم يقول: إننا باقون حيث حفرتم, أنتم من جلب هذا الوباء, ولابد من فعل تحصين,إن مرت هذه الكلمات, لنا حديث آخر.عن الإعلام المرمي بحجارة الجميع.
ديب علي حسن
d.hasan09@gmail.com
التاريخ: الاثنين 20-5-2019
رقم العدد : 16981