حينما كانت قطعان الإرهاب الدولي يتم تسريبها إلى بلدنا من جهاته الأربعة، وكانت الويلات التي يتعرض لها المواطنون التي بدأت بقطع الرؤوس على الهوية، أو على الموقف من الدولة، والموقع الذي يشغله المعنيون لم تحتسب زبانية العدوان علينا أيَّ حق للمدنيين بالحياة، ولم نسمع عن أي اعتراض من حلف العدوان الإرهابي على سورية لمخالفة الإرهابيين قواعد التعامل مع المدنيين خلال الحروب، وما تمّت أية مجزرة بحق مواطنينا من قبل الإرهابيين وداعميهم ولاحظنا أن الغرب المتحضّر قد نسبها إلى جرائم ضد الإنسانية حتى كدنا نعتقد أن الإرهاب عمل إنساني جليل القيمة بعرف مشغليه. وحين وقع شعبنا في المحنة التي تسبب بها لهم الغرب الحضاري المؤنسن لم تعد أدوات التضليل، وميديا التدجيل تتسرب إلى عقول أحد من السوريين على طريقة الذي قال: فما راءٍ كم سمعا.
وهنا سقطت جميع الأقنعة فالثورة الشعبية الافتراضية التي تحدثوا عنها في سورية تتلقى تعليماتها من سبع دول أجنبية، والثورة تنتصر حين تقوم على تهجير السكان إلى الدول المجاورة وتحويلهم إلى رهائن بشرية للمساومة عليهم في المخيمات التي أعدت مسبقاً أي قبل تفجير الثورة المزعومة. والثورة تقوم حين يدخل الغرباء بمجموعاتهم التي تدّعي الإسلام، ويحولون الناس إلى عبيد أو إلى أجندة إرهابية حتى يتّقوا شرّ الموت الزؤام، والثورة تقوم حتى تتمكن إسرائيل كيان العدوان من تحقيق يهودية الدولة على حساب أهل الأرض الحقيقيين وبحماية حلف العدوان.
وأخيراً كشف شعبنا بالعقل الوطني السليم عن نظرة وطنية مشتركة، وعن وعي صحيح بالمصير الواحد للجميع، وشكل قواعد عمله المضادة للحرب الإرهابية عليه بما متّن من عرى التلاحم بين أضلاع المثلث السوري الصامد: الدولة، وشعبها، وجيشها. كما استطاعت الشرعية المستندة إلى الشعب أن تقف بوجه حلف العدوان, وتجد الحلفاء الإقليميين، والدوليين لتكون ساحة المواجهة مؤمنة للتناسب المطلوب في ميزان القوة بين الوطنية السورية التي لن تترك الوطن للأغيار، وبين الإرهابيين الذين أتت بهم أميركا المتصهينة وأطلسيوها.
وفي الميدان وحركة البواسل شعباً، وجيشاً، وحلفاءً اختُبرت النظريات، وامتُحنت الخيارات، وتحدّدت الأهداف ولم تمضِ السنة الأولى على الحرب حتى بدأت جماهير شعبنا تلمس لمس اليد دور العامل الإسرائيلي ومساندته للإرهابيين، وحضوره معهم في العتاد، والخبراء، والدعم اللوجستي، وتلمّست جماهير شعبنا أن الثورة المطلوبة ليست لنا، وإنما هي ثورة علينا نحن الشعب، والحرب ليست بيننا بل هي حرب علينا، ودخول الغرباء وتمكينهم من السيطرة على مدننا وقرانا لا يشعرنا بأي هدف جامع ما بيننا وبينهم، وسرقة مصانعنا، وإنتاج أرضنا، وبترولنا، وأوابدنا الأثرية لا تقع في إطار تحسين وضعنا، وأوجه حياتنا، وربطنا بعجلة التاريخ، والمستقبل، نعم هذه هي الثورة بعُرف حلف العدوان ومما يثير الاشمئزاز أن المعارضات التي توضّعت في الخارج، وانقسمت إلى منصّات، وناخت تحت مرجعيات معروفة بخدمتها التاريخية لكيان العدوان الصهيوني لم تجد ما تعترض عليه في سلوك حلف العدوان الإرهابي على بلدها بمقدار ما غرقت بأوهامها في العودة إلى سورية على وسائط الحرب الإرهابية معتقدةً أن الناس في بلدها سوف يستقبلونها بالهتافات الوطنية.
وعليه فمن لا يفرّق بين الموقف الوطني، والموقف من عدو الوطن لا يمكن أن يبقى ضمن قوائم الوطن والناس. وما سوف يبقى في الذاكرة المنتمية إلى وطن استُهدف لأنه متمسك بالسيادة، واستقلال القرار هو أن الكفاح المشترك للوطنيين المخلصين هو الذي حقق النصر على أعداء الوطن من الإرهابيين وداعميهم ومنذ الفاتحة فيه من القصير إلى الوسط من بلدنا إلى ريف دمشق، والجنوب, والآن في شمال حماة، وريف إدلب كل هذه الانتصارات هي التي حدّدت المخارج الواقعية، والممكنة لإعلان شعبنا الخروج من المحنة بالحرب الكونية الإرهابية عليه.
وبالمقدار الذي سعت فيه أميركا وأطلسيوها، وأعرابها، وإسرائيل لأن يبقى القرار الخاص بسورية بأيديهم حتى يديروا الحرب الإرهابية علينا وفق أهدافهم الجيوسياسية عندنا، وفينا استطاع شعبنا الملتف حول دولته وجيشه وحلفائه أن ينتزع القرار الوطني من وقائع الميدان، وأن يواصل نصره، وفرض سيادة الدولة على وطنها. وقد أغاظ الحلف الأمروصهيوني أن ينتقل القرار المؤثر في الحالة السورية من العامل الخارجي، إلى العامل الوطني الداخلي، وهنا تابعنا جميعاً كيف هجمت أميركا، والأطلسيون للتواجد العسكري غير الشرعي على الأرض السورية لتبدأ مع سورية حرب الأصلاء، بعد أن تم دحر الوكلاء. ومع هذا بقي احتلال أجزاء من الأرض السورية لا يثير حفيظة المعارضات ومنصّاتها إذ لو أنهم قد فكروا بالتاريخ إذاً لكانوا قد رفضوا احتلال بلدهم من قبل الغرباء، كما رفضوا الوجود العسكري غير الشرعي على أرض وطنهم وهنا ستكون الفرصة أمامهم لأن يعودوا وينخرطوا في معركة وطنهم ضد أعدائه اما أن يقفوا في صف أعداء وطنهم، ويستمروا حاملين هوية المعارضات فهذا حال لا يقبل به الشعب الوطني. والغريب الذي لن يتنازل الشعب عن حقه في المحاسبة عليه هو كيف تحمي أميركا وحلفاؤها قطعان الإرهاب على ما تبقّى من إدلب، وشرق الفرات ويواصل سوري واحد تحالفه معهم، ومن الطبيعي أن يُعطّل حلف العدوان مخرجات جنيف، وأستنة، وسوتشي لأنه لن يقرّ بهزيمته في المشروع الإرهابي الذي أتى به، ولن يعترف بالنصر الميداني للدولة الشرعية، وشعبها، وجيشها مع حلفائه، وإن لم يستطع الحلف المذكور تحقيق النصر الإرهابي كما يرغب فيحاول تعطيل آلية الحل السياسي التي تنعكس على وقائع الميدان بعكس القوانين المعروفة في تاريخ الحروب البشرية، وهذا ما تبذل أميركا الجهد فيه رغم أن الجيش مع الحلفاء سيواصلون الحرب على الإرهاب ولو كره الكارهون، والأمر الآخر هو أن أميركا قد أفلتت من يدها أكثر من إمكانية فالأولى أن التقرير في وضع سورية أصبح من الداخل وليس من الخارج.
وأن الدولة المنتصرة يصعب التعامل معها على أنها قد خسرت الحرب. وأن من خسر الحرب لا يمكن أن يفرض من حالته أوراقاً في السياسة. وأن الاعتماد على عملاء الداخل لن يُعيد التوازن لمصلحة الخارج، وأن خسارة الأدوار خاصة لدى أردوغان، والأعراب، وإسرائيل لن تمكنها من مواصلة التأثير في سير الحروب ومآلاتها. ولذلك سيكمل الجيش وحلفاؤه في بلدنا مهماتهم الميدانية، وسيواصل شعبنا انتزاع حقّه في تقرير مصيره بإرادته الوطنية المخلصة ومن وضع نفسه في معادلة خاسرة من المنطقي أن يتذوق طعم مرارتها.
بقلم د: فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 20-5-2019
رقم العدد : 16981