تعتبر تربية النحل في محافظة السويداء من قطاعات الإنتاج الزراعي الرديف لقطاعات الزراعة الأخرى حيث تكون مصدراً لزيادة الدخل إما مباشرة بإنتاج العسل أو غير مباشر باستخدام النحل كملقح لبساتين المزارعين.
وتؤكد المعطيات أن المحافظة تتميز بواقع بيئي وتنوع مناخي وحيوي نباتي وحيواني كبيرين حيث يتواجد في جبل العرب أكثر من 900 نوع نباتي منها نحو 70 نوعاً يعتبر الجبل الموطن الأصلي لها، ما يجعل هناك فرصة لنشاط تربية النحل في السويداء طيلة أشهر السنة.
إن تربية النحل في محافظة السويداء حديثة العهد نسبياً، حيث لم يحظ هذا النوع من النشاط باهتمام المزارعين حتى أواسط القرن الماضي ويمكن القول إن أول بداية له كانت عام 1947. وكانت الانطلاقة التالية من مركز إنعاش الريف في صلخد عام 1980 وفق أسس علمية واضحة، وبعد نجاح التجربة في المركز المذكور بدأت تربية النحل بالانتشار بشكل واسع في المحافظة، وبدأت أعداد المربين بالتزايد حتى بداية التسعينيات حيث بدئ بتربية النحل في مركز إنعاش الريف في قرية عريقة عام 1991.
مشكلات تربية النحل
تعاني تربية النحل في محافظة السويداء من عدة معوقات، أهمها ارتفاع تكاليف إنتاج العسل، وارتفاع أجور نقل خلايا النحل وترحيلها إلى المراعي، إضافة لوضع الطرقات الخطر، ولا سيما أن النقل يكون ليلاً وإلى مناطق زراعية غير مأهولة، عدا عن رش الأشجار في فترة الأزهار بمبيدات ومثبتات العقد، ما يؤدي إلى تسمم النحل. وعانت تربية النحل في السويداء كما في سورية عموماً من مخلفات الحرب على سورية بأوجه عدة منها، تراجع مساحة الأراضي البرية الآمنة التي يمكن ترحيل النحل إليها ما أدى لنقص المراعي وبالتالي تراجع في عدد المربين وعدد الخلايا، نقص أدوية مكافحة أمراض النحل أدى إلى ضعف القدرة على العناية بالمنحل ما تسبب بفتك بعض الأمراض وعدم القدرة على علاجها بالشكل الأمثل، ومن المؤكد أن بعض التراجع في قطاع تربية النحل هو عدم قدرة النحالين على تعويض خسائرهم بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات والخلايا لحدود عشرة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب.
وأشار المهندس حسن الحايك رئيس دائرة الوقاية في مديرية زراعة السويداء إلى أن أهم الآفات التي قد تؤدي إلى نفوق خلايا النحل هي: الفاروا، الدبور الأحمر بينما أهم الأمراض النيوزيماسيرنا، ومكافحة هذه الآفات والأمراض يحتاج إلى أدوية وهي مكلفة، حيث أدى كل ذلك إلى قيام المربي برفع سعر كغ العسل لنحو ١١ ألف ليرة سورية. لافتاً إلى أنه يوجد على ساحة المحافظة نحو ٣١٣٠ خلية نحل إضافة لوجود ٣٠٤ مربين، وفي هذا الموسم زاد عدد الخلايا والمربين بسبب موسم الطريد والتكاثر الطبيعي للنحل في فصل الربيع من كل عام، كما ازداد عدد الخلايا بسبب توزيع منحة النحل من قبل اتحاد النحالين العرب ومنظمة الفاو بالتعاون مع مديرية الزراعة حيث بلغ عدد الطرود الموزعة 210 طرود بواقع ثلاثة طرود لكل مستفيد مع كافة المستلزمات المطلوبة للعمل ووصل عدد المستفيدين الى 70 مربياً موزعين في قرى المغير، عنز، الدور، وتتم متابعة هذه الطرود فعلياً من قبل لجنة شكلتها مديرية الزراعة، ودعا الحايك أن تكون مشاريع تربية النحل بحدود 20 إلى 30 خلية نحل حيث تكون تحت السيطرة من خلال نقلها إلى المراعي المناسبة والاهتمام بها بالشكل المطلوب.
ثروة يجب الحفاظ عليها
وأشار المهندس زيد عبد السلام رئيس فرع الجمعية العلمية للنحالين السوريين في السويداء إلى أن النحل مسؤول عن 75% من عمليات التلقيح الخلطي للنباتات الذي بفضله نرى هذا التنوع الكبير في المادة الوراثية النباتية، كما يقدم النحل مواد غذائية وعلاجية كثيرة، فالعسل والطلع والعكبر والشمع وسم النحل والغذاء الملكي كلها منتجات على قدر كبير من الأهمية للإنسان سواء غذائياً أم علاجياً، من هنا تأتي أهمية الحفاظ على الثروة النحلية والعمل على الارتقاء بمهنة النحالة وتطويرها وإدخال التقانات الحديثة في تربية النحل وإنتاج العسل وغيره من منتجات الخلية، ويعتبر الحفاظ على هذه الثروة مهمة وطنية كبرى تقع على عاتق القائمين عليها من فنيين ومربين وجمعيات متخصصة، ونحن في الجمعية العلمية للنحالين السوريين التابعة لنقابة المهندسين الزراعيين نعقد اجتماعات شهرية في العاشر من كل شهر تتمحور حول عرض كل ما هو جديد في عالم النحل ونحرص دائماً على تقديم المفيد منها لجمهور مربي النحل كما يتم تبادل الخبرات بين النحالين كما قمنا بربط النحالين بمجموعة إلكترونية على برنامج الواتس يتم خلالها تبادل المعلومات والخبرات بشكل دائم، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أن من ضمن ما تحقق من خلال ذلك نقل تقانات حديثة تدخل بلدنا لأول مرة في جمع غبار الطلع الذي يجمعه النحل بحيث بدأ قسم من النحالين باستخدام هذه التقنيات التي من شأنها زيادة دخل النحال بشكل جيد كما تؤمن مادة هامة ما زال السوق المحلي يستوردها من الخارج بكميات كبيرة، ولفت عبد السلام إلى أنه من الممكن خلال السنوات القادمة الاستغناء عن استيرادها لا بل نطمح للانتقال إلى حالة الاكتفاء المحلي وتصدير الفائض من الإنتاج بعد أن بدأ العديد من النحالين على مستوى القطر باستخدام هذه التقانات في جمع وإنتاج غبار الطلع.
من جهة ثانية تسعى الجمعية العلمية للنحالين السوريين دائماً للحفاظ على المصادر الوراثية المحلية ومن هنا نؤكد ضرورة حماية ورعاية سلالة النحل السوري Apis mellifera syriaca التي تستوطن بلادنا منذ ملايين السنين وتعتبر من السلالات الهامة عالمياً بشهادة كل الخبراء المحليين والأجانب حيث قاومت بتأقلمها مع الظروف المحلية كل الضغوط والإجهادات التي مرت بها، وبقي الدم السوري في النحل المحلي هو الغالب رغم دخول السلالات الأجنبية بطرق شتى، وأثبتت السلالة السورية أنها الأقدر على البقاء والسيادة في كل الظروف، من هنا ننبه في الجمعية العلمية للنحالين السوريين لضرورة العمل بشكل جدي على عدم السماح بإدخال النحل من السلالات الأجنبية إلا عن طريق الجهات البحثية المتخصصة بذلك بعد دراسة مدى تأقلمها مع ظروف المنطقة كما نؤكد على ضرورة إعطاء السلالة السورية حقها من الدراسة والعمل على إعادة إحياء مراكز تأصيل السلالة في السويداء واللاذقية وإعادة إحياء اللجان التي شكلت سابقاً ورفدها بكوادر متخصصة بهدف حصر الأماكن التي تتواجد فيها السلالة السورية وإكثارها وإنتاج ملكات مؤصلة باعتماد برامج طويلة المدى لما لذلك من أثر كبير على دعم الاقتصاد الوطني والارتقاء بعناصر الإنتاج المحلي بكافة الجوانب.
رفيق الكفيري:
التاريخ: الاثنين 27-5-2019
الرقم: 16987