شاعر سوري ربط مصيره بقضايا الأمة العربية التي يعتبر الالتزام بها واجباً وطنياً وإنسانياً، أمضى عمره في خدمة الشعر والكلمة التي تنادي بالحق, فكانت حصيلته العديد من الاعمال الأدبية الهامة, في كل مرة يكتب بها, يشعرك أن الشعر بخير, وأن قلبه مازال ينبض بالحب والإنسانية والآمال المشرقة… فهو يكتب أحاسيسه إزاء ما يختلج في نفسه, وتجاه ما يُحيط به.
إنه الأديب هادي دانيال الذي نشد شعره ضمن مجموعة شعرية جديدة حملت عنوان (يأتي الذي كان) فبدأ بها:
لانزال بخير..
لم تجف العروق..
ولازال رعد يُلبي إذا راودته البروق..
وماهم إن أمطرت توماهوكاً..
فالخراجُ خزائن سلمانَ والمظلمة إست جُبير
لانزال بخير..
تعب البلاد إذا ظمئت من دمانا..
ونُطعمها لحمنا إذ تجوع..
وتلبس أرواحنا عشبة, صخرةً في ثراها..
وفوق الثرى في الهواء.. سحاباً فراشاً وطير
وتحت عنوان (زهرة التجربة) ينسج دانيال قصيدته بكامل جمالها, لتبدو لوحة رسمها فنان من ذاته وواقعه.. كيف لا وهو سيد الوصف, وصاحب الصور الصادقة في مضمونها ودلالاتها فيقول:
بحدس طفل التاريخ وبصيرته أرى وأتقدم
حاملاً بلادي بين أضلاعي صليباً
صاعداً دُرج الضّجرِ
حافِيَ المزاج ِوعلى مدّ النظر.. سراب يتلألأ فيه
غليون محشو بتبغ اللاذقية
وفي قصيدته (طواحين الهباء) يشرح دانيال كيف تآمر الكثيرون على سورية وقتلوا أطفالها, فيأتي صوته مدوياً ليعلن أن الانتصار على قوة الغدر والجهل آتية لامحال وأن ميزان الحق لايضيع في ظل وجود رجال الحق فيقول:
على الشاشة الفضيّة
أشلاء أطفال يمنيين وسوريين
بين نُيوب كُثبان الرمل بثعابينها
اللامعة كعقالات لورنس المذهبة
ومن بين أضلاعي ينطلق
جواد مُجنح يهدم قباب.. اسطنبول وأخواتها
ومن صهيله الجريح تنبثق
فراشات تسد الثقوب التي
ربما يتسرب منها النور
الذي انشق عنه القمر الشاحب
إلى طواحين الهباء
وهاهو الحنين يطفو على قصائده, فهو الذي عاش سني الغربة, لكن قلبه وروحه ظلت ساكنة هنا في سورية موطنه الأول والأخير.. يوجعه الحنين والكتمان, لكنه ينثر إبداعه عطراً.. فيظهر هذا التلاحم الأصيل بين الوطن والروح:
قريباً قبل أن يتصدّع النسيان
في أيلول عن قبر جديد بين أضلاعي
ستحملني الغزالة والغيوم ونوق
أوجاعي إلى بردى
وحيداً لارفاق يودعون.. ولارفاق يرافقون
ولارفاق متى وصلت يعانقون
ولاخطاي لها صدى
غريباً يائساً يطوي خرائطه
ستسلمني الدروب المُتربات
إلى الصخور المعُشبات
عساي أغسل بعض روحي بالندى
وعندما تبحر في المجموعة تدرك أن دانيال يسهم في الارتقاء بشعرية القصيدة, ويعمق دلالتها وشدة تأثيرها في المتلقي.. فحين يكتب تتفجر ينابيع الجمال الدافقة, فهو القادر على رسم واقع زاخر بالرؤى, بلغة متميزة جميلة، تبرح في النفس والروح دون استئذان يقول:
شاء من شاء أنك صوت لذاك البلد
فكرة كان للبشرية أو مَهدها المُتجدد
أو جرحها النازف المُتقد
أنت هابيل في وعي قابيل من زمن لايُحدّ
وذاكرة الأرض ينكأها خنجر عمه
نصله حاضر مُجتهد..
قدر صارخ صمته باللغات جميعاً
وألواحه لاتعدّ.. من سيقرأ هذي الجراح ويدملها
قبل أن تتبرد؟
ومن المجموعة نقرأ:
الطريق إلى الروح شاحبة..
والرفيق نما خطوة إثر أخرى
كبعض صليب من الحبر لم يكتمل..
كان سوطاً من الملح..
يهمس كالجمر في القش.
يهمز جرحاً يحاول أن يندمل..
كان جرحاً بحجم بلادٍ..
وبين يديه تبدت تلال وبحر وراء التلال
سألت الغيوم فسالت..
لأرنو إلى قاربٍ في السماء الخفيضة..
يدنو من القلب لكنه لم يصل
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الاثنين 27-5-2019
رقم العدد : 16987