من البداهة بمكان أن نقول بكل بساطة إن الإعلام لم يعد السلطة الرابعة, كما كنا نردد, تغيرت الوقائع والمعطيات ولكل زمان سلاحه الامضى والأكثر فتكا وحضورا, والإعلام هو سلاح هذا العصر فمن الطبيعي أن نقول إنه طاعونه, سلطته الأولى, أداة الفتك التي تخرب وتهدم, تقود وتوجه, تعمر وتبني, كما يدار ويراد له يكون, هذه حقائق على ارض الواقع نعيشها ونعرفها جميعا منذ الغزو الأميركي للعراق إلى اليوم, بل نراكم كل يوم المزيد من المعرفة حول دور الإعلام, وما يقوم به, من هنا يكون من السهل القول: إن الأمر ليس بحاجة للتذكير بالرسالة أو الدور المناط به, فما اكثر ما يمكن أن يقال حول ذلك, ومن قبل الجميع, من يعرف بالإعلام, ومن لايعرف, الكل صار راصدا له ولدوره وللحديث عنه, ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح بقوة, ومن خلالنا نحن كإعلام محلي: ما هو المتاح, وما المأمول؟ لماذا نقرأ ما يجب ان يكون, ويغيب عنا ما هو كائن؟
كيف يبدو المشهد, ولماذا هذا الضجيج الصاخب على الإعلام والإعلاميين, دون قراءة ما هم عليه؟ هل علينا أن نقول وعلى لسان الآخرين: إن الإعلام كما الماء أهون موجود, واعز مفقود وهل على الإعلامي أن يكون سوبرمان زمانه وعصره, وهو في الكثير من الأحيان مهيض الجناح, مشدود بألف واقع للأرض, لا إلى الفعل والانطلاق..؟
لن ندعي أن الإجابة حاضرة هنا, لكنها على الأقل هواجس يجب أن تقال لئلا تبقى حبيسة الصدر, ومن مبدأ سؤال أبطال رواية غسان كنفاني رجال في الشمس: لماذا لم تقرعوا جدران الخزان..
ببساطة: الحال لايسر أحدا, وإذا ما اردنا بجردة حساب بسيطة أن نسأل: كيف حال إعلامنا؟ سوف يتبادر إلى الذهن ثلاثة مستويات من الطرح: كيف تراه الحكومة, كيف يراه الشعب, وكيف يراه الإعلاميون أنفسهم (إن حق لهم القول وإبداء الرأي, إذ غالبا ما يتحدث الجميع عن الإعلام ويقررون عنه, والكل خبراء إعلاميون ما عدا الإعلاميين).
في الشق الاول ببساطة شديدة الوضوح, الرؤية تقررها الحكومة, وهي دائما تردد دائما: نحن نمولكم, مع أن الأمر صحيح لكن بصيغة ثانية: الحكومة تدير تمويل كل شيء في البلد من خلال موارد الدولة, وبالتالي يتقرر التالي: ما من إعلام يجب أن يكون ضد دولته وبلده, وحكومته, ولكن هذا لايعني أن يغمض العين عما يمكن أن يكون مفيدا للحكومة وللمؤسسات العامة ويقوّم الطريق, بمعنى آخر: الإعلام يشير إلى مكامن الخلل, ولكنه ليس صاحب سلطان لينفذ, وكما يشير إلى ذلك, هو صوت الدولة والحكومة في إبراز الوجه المشرق للعمل والانجازات التي تتحقق, وهذا لا احد ينكره, وما بين الحالتين ثمة ما يقال وأخذ وشد, والكل مسؤول عنها, إعلاماً وحكومة, البعض يقدم نقدا بسكين مثلومة كما لو أنه ثأر وفي مؤسساتنا ثمة من لايريد أن يقال: ما احلى الكحل بعينك.. بصيغة أخرى عليك أن تصفق وتصفق وكفى, والحكومة هي ذاتها التي تعامل الاعلام كما انه مؤسسة خضرة وفواكه, ما يتقرر على اي مؤسسة اخرى يسارع مسؤولونا الإعلاميون إلى تنفيذه دون شرح واقع حال المؤسسات التي تعمل (تعليمات حكومة تفضلوا نفذوا) نعم, يجب ان ننفذ, لكن ربما صانع القرار, متخذه لايعرف الكثير من هذه القضايا التي تخص تفاصيل العمل الإعلامي, فما دوركم إذا لم تكونوا قادرين على نقلها إليه..؟
والحكومة نفسها هي التي طرحت ذات يوم: تغيير الخطاب الإعلامي وصمتت بعدها, ربما لانها ادركت أن الخطاب الإعلامي بالمحصلة هو مجموع خطابات مؤسسات الدولة والمجتمع, هو الرؤى الاخيرة في الاستراتيجيات التي توضع, ولن يتغير هذا الخطاب إلا بتغيير ما هو موجود, بمعنى آخر (مرآة ستعكس) ربما تزين قليلا, ولكن ليس باستطاعتها أن تفعل ذلك إلى ما لانهاية, ومن الضرورة القول أيضا إن الإعلامي المهموم بالعمل بمهنته لن ينتظر حتى تتوافر الظروف التي يراها مناسبة, بل عليه أن يكون قادرا على إثبات الذات دائما.
واللافت في الأمر ايضا أن القضايا التي تخص الإعلام تناقش عادة في دوائر مغلقة هي الحلقة التي تديره, وليس الفاعلين من صحفيين وغيرهم, ولتبقى الحالة نفسها مراوحة بالمكان, والهوة ما بين كائن, وما هو متاح تزداد تصدعا, أما حين نتحدث عن المتلقي للرسالة الإعلامية, فحدث ولا حرج ويعلن بشكل ساخط عدم رضاه, إذ يرى الإعلام بعيدا عن قضاياه, بل يذهب الكثيرون إلى حد الاتهام المباشر وبصوت عال: أنتم خارج إطار الرسالة الإعلامية, وهنا ثمة ما يجب أن يقال، فمن قال إن الرسالة الاعلامية التي كانت مثلا -قبل عام هي ذاتها اليوم صالحة _؟
اسئلة كثيرة, لابد من طرحها, لكن مساحة المقال ضاقت, نصف الصفحة التي يجب أن يتسع لغيرها أيضا ضاق, والإعلان سيد الموقف حقه ما تبقى, من مبدأ أن الصحيفة تعامل على انها مؤسسة اقتصادية (مبدأ الربح والخسارة, لا الرسالة التي تحملها, ومن أجلها وجدت).وللحديث بقايا.
d.hasan09@gmail.com
ديب علي حسن
التاريخ: الأربعاء 29-5-2019
الرقم: 16989