بزماني اشتريتُ سيارة (شيري) صينية الصنع جديدة من وكالتها كاملة مُكمّلة بمبلغ (650) ألف ليرة بالتقسيط المريح وبكفالة أحد البنوك.
كانت سيارة جميلة بيضاء اللون – تُشبه بشكلها الـBMW بلا صغرة – استَحْلَتْها العصابات الإرهابية المسلحة عند اجتياحها مدينة عدرا العمالية فسرقتها من جانب بيتي، وأمضينا عدة أشهر نبحث عنها بعد تحرير المدينة حتى عثرنا عليها متهتّكة ومسلوبة الأحشاء، فبعتها أنقاضاً وعلى ما هي عليه لأرتاح من ذلك المنظر وذكرياته البغيضة.
وعلى سيرة ذلك اللون الأبيض والـ (650) ألف ليرة، روى لي أحد الأصدقاء عن أسرة مؤلّفة من خمسة أشخاص – الأب والأم وثلاثة أولاد – يعيشون حالة من البؤس التي بالنهاية جرّتها علينا حماقات تلك العصابات وأعوانها، وقلبت حياتنا رأساً على عقب، وأفرغتنا من سعادتنا، ودمّرت هناء حياتنا، مثلما أفرغت السيارة البيضاء من أحشائها ودمرتها.
يقول رب الأسرة : لا أعرف كيف سأتدبّر أمور حياتي، فلو فرضنا أنني سأتناول بيضة على الإفطار ولكل واحد من أفراد أسرتي بيضة واحدة فهذا يعني أنني أحتاج إلى خمس بيضات يومياً، أي (5 × 30 = 150) بيضة شهرياً، ولو فرضنا أننا لا نتحسس من كثرة البيض وشعرنا أنه غذاء يسدّ الرمق وأكلنا على الغداء بيضة لكل واحد فإننا نحتاج إلى (150) بيضة أخرى، وجمعاً يكون (300) بيضة في الشهر، وباعتبار أن سعر البيضة (2000) ليرة فإن سعر ما نحتاجه في وقعتي الإفطار والغداء فقط ودون العشاء هو (300 × 2000 = 600 ألف ليرة) شهرياً من البيض دون أي شيء آخر، أي تقريباً بسعر تلك السيارة البيضاء.
إن راتبي لا يزيد عن (300) ألف ليرة شهرياً، فأنا غير قادر على تسديد سوى تكاليف وقعةٍ واحدة، وعلينا أن نختار بين الإفطار والغداء، بيضة واحدة في اليوم لكل واحد منّا بلا خبز ولا ملح ولا زيت ولا لبن ولا حليب ولا شاي .. ولا غاز طبعاً من أجل سلق البيض أو قليه، فأنا كمن على رأسه الطير من هذا البيض، فتراني أهيمُ قائلاً: من أين “سأبيض”..؟!!.
هذا ما أنجزته لنا ولبلادنا العصابات الإرهابية المسلحة بحماقاتها وحماقات الدول الداعمة لها وحماقات عملائهم، وهذا ما زاد على إنجازه الفاسدون أيضاً.
وجبة بيض واحدة في اليوم على مدى شهر بلا مأكل آخر ولا ملبس ولا دواء ولا تنقّل ولا تعليم ولا أي خدمة من خدمات الأرض صارت تساوي بكلفتها سعر نصف سيارة، ووجبتان تكفلان سعر سيارة كاملة قبل هذه الفورة البغيضة..!!
حالة مأساوية تحتاج إلى إسعاف سريع وقرار حاسم إنقاذي جريء دون إبطاء، وليس صحيحاً أن القرار سيكون شعبوياً بمثل هذه الحالة، بل هو الحد الأدنى لحياة شبه كريمة، فلا الخطط تنفع .. ولا الدراسات تفيد .. ولا البيانات تُسمن أو تُغني من جوع.