فيما بدا أنه سباق محموم مع الزمن، يجهد النظام التركي بدعم أميركي معلن وواضح الى حرف مسار معركة إدلب بما يحاكي اهداف وطموحات أنقرة وواشنطن خلال المرحلة المقبلة من دون أن ننفي سعي الطرفين -أميركا وتركيا – للعودة الى ستاتيكو ما قبل بدء معركة إدلب، أي جمود الوضع على ماهو عليه في وقت يواصل فيه الجيش العربي السوري دك معاقل الإرهابيين في ضوء معلومات متواترة عن محاولات حثيثة لنظام أردوغان لتوحيد المجموعات الإرهابية تحت قيادة الجولاني وتشكيل غرفة عمليات موحدة لمرتزقته وميليشياته الإرهابية مع تنظيم «النصرة» الإرهابي ناهيك عن المعلومات التي تؤكد الانخراط التركي المباشر في معارك الشمال ضد الجيش العربي السوري ، وقد نقلت مصادر مقربة من ميليشيا «الجبهة الوطنية للتحرير» الإرهابية التي شكلها النظام التركي من اتحاد 11 فصيلا إرهابيا أن متزعم «النصرة» الإرهابي المدعو أبو محمد الجولاني اجتمع مع قادة ميليشيات إرهابية مدعومة من النظام التركي بأمر من أردوغان لتوحيد المجموعات الإرهابية التي شكلتها انقرة والتنظيمات الإرهابية بقيادة «النصرة» واستجابة لرغبة الجولاني التي أعرب عنها مطلع كانون الأول الماضي.
ومع هذا التعنت والهروب التركي من تنفيذ الاستحقاقات التي كان يتوجب تنفيذها مطلع العام الحالي، يبدو ان نظام أردوغان قد اختار خيار التصعيد في ظل توافق أميركي على الذهاب بالأمور بعيدا نحو التفجير، وصولا الى تغيير عناوين المشهد وتغيير خريطة الطريق التي رسمتها دمشق وحلفاؤها لتطهير الجغرافيا السورية من الإرهابيين والمحتلين.
على ذات الضفة بدا الخلاف واضحا ومتدحرجا بين موسكو وأنقرة لاسيما في ظل انزياح تركي واضح نحو الأميركي قد يكون ثمنه التضحية بصفقة الـ إس 400 ، مع إصرار نظام أردوغان على التهرب من الالتزام من استحقاقاته وتعهداته التي لطالما ادعى تنفيذها على الأرض فيما الواقع يفضح هذه الادعاءات بشكل يزيد من التخبط والمأزق التركي الذي يترجمه أردوغان هروبا من استحقاقات «آستنة» و«سوتشي» نحو دعم واحتضان ورعاية الإرهابيين.
ضمن هذا السياق تتسابق خيارات التصعيد والتفجير في ظل انفلات المشهد من عناوين الالتزام الأميركي والتركي، وفي ظل تقدم الجيش العربي السوري بشكل متسارع في الميدان، خصوصا مع استعادته لمفاصل هامة في جبهات الشمال والغرب وتحديدا فتح الجيش السوري لمعبري صوران في حماة وأبو الضهور في إدلب الذي كان بمثابة انقلاب في المشهد العسكري لمصلحة الدولة السورية.
عناوين التصعيد كانت حاضرة في التهديدات والتحذيرات الأميركية المتواصلة في هذا الشأن، فقد أبدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، مورغان أورتاغوس، «انزعاج» بلادها من العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري في أرياف حلب وحماة وإدلب واللاذقية لتطهيرها من الإرهابيين، وفضحت تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية الموقف الأميركي عندما قالت إن الموقف الأميركي يهدف إلى حصار حراك الجيش السوري وحلفائه، وتحجيم أثره المستقبلي المرتقب.
تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، مورغان أورتاغوس كان قد سبقها بيان وزارة الخارجية الأميركية قبل يومين جاء فيه أن واشنطن لديها شكوك حول استخدام غاز الكلور في بلدة كباني بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، ومثل هذه البيانات والتصريحات كثيرا ما تكررت خصوصاً في المنعطفات التي يكون فيها الجيش العربي السوري مالكا لزمام المبادرة بشكل كامل على الأرض.
بحسب المعطيات والمعلومات فإن الواقع على الأرض مرشح للانفجار في أية لحظة في ظل التحشيدات الواضحة لأطراف الإرهاب واداوتهم ومرتزقتهم، وبعيدا عن التوقعات التي تستمد وجودها ومنطقيتها من المعطيات المتراكمة بغزارة على جانبي الاحداث المتسارعة في الميدان، فإن المرحلة قد وصلت الى لحظتها الفارقة (لحظة الضرورة) التي تفرض استحقاقاتها على الأرض بغض النظر عن الارتدادات والتداعيات المتوقعة لهذا الاستحقاق ، خصوصاً في ظل اكتمال كافة شروط وظروف الانفجار مع وجود بيئة إقليمية ودولية مشحونة بالتوتر والغليان والتحريض، حيث تجهد منظومة الإرهاب التي هزمت في الميدان السوري الى صرف هزيمتها في مكان آخر وبأي شكل من الاشكال وهذا لا يكون إلا بالحروب والعبث بالعناوين والخرائط الجيوسياسية للمنطقة والعالم، ومن هنا يمكن فهم وقراءة ما تقوم به أطراف الإرهاب مجتمعة ـ أميركا والكيان الصهيوني وأنظمة الخليج ودول الغرب الاستعماري- ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة ذلك التحشيد والتحريض المتدحرج من قبل إسرائيل وبعض مشايخ الخليج في ظل عدم وجود رغبة أميركية واضحة بالمواجهة مع إيران أو بالأصح عدم وجود توافق أو رؤية موحدة داخل المنظومة الأميركية (الكونغرس بمجلسيه ـ البنتاغون – الخارجية ـ اللوبيات الضاغطة- الصقور- الحمائم ) لشن حرب ضد طهران، وهذا يحاكي بشكل من الاشكال غياب القرار الأوروبي الموحد لإجهاض الاتفاق النووي والذهاب بعيدا نحو الحرب والمواجهة التي قد تتدحرج الى مواجهة شاملة في المنطقة والعالم.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 30-5-2019
الرقم: 16990