انتخابات أوروبا.. خارطة جديدة

انتهت الانتخابات الاوروبية بتمثيل كل دولة في البرلمان الاوروبي بـ 28 ممثلا لها وكانت النتيجة هزيمة مدوية لأحزاب المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين الذين حكموا اوروبا الغربية على مدى عقود وأقاموا الاتحاد الاوروبي بناء على معاهدة ماستريخت عام 1992 .
ففي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلدان أخرى من اوروبا لم تحصل هذه الأحزاب التي شكلت فيما مضى احتكارا سيطر على البرلمان سوى على 50% من الأصوات فأغلب الناخبين صوتوا لأحزاب أخرى ليعاقبوا إضافة إلى هؤلاء الأحزاب الشعبوية والبرجوازيات الصغيرة المرتبطة بالنقابات التي عارضت الاحتجاجات الاجتماعية المتنامية في اوروبا . هذه الأحزاب أخذت تفقد دعمها في أوقات تجتاح فيها موجات الاضطراب والاحتجاجات اوروبا ضد سياسة التقشف والعسكرة والقمع البوليسي لآلاف المتظاهرين والعمال كما يحصل في فرنسا وإضرابات ضخمة في برلين ومدن أخرى من ألمانيا أيضا تجميد الرواتب الذي فرضه الاتحاد الاوروبي في البرتغال وفي بلجيكا في الوقت ذاته تزداد الاحتجاجات في اوروبا الشرقية مع إضراب المعلمين البولونيين وفي هنغاريا حيث تفرض ساعات اضافية غير مأجورة.
بعض أحزاب الخضر حصلوا على دعم متزايد في الانتخابات التي حصلت مباشرة بعد مظاهرات الشباب ضد التغير المناخي خلال ذلك وفي جزء كبير من أوروبا الذين استفادوا من فقدان الثقة بالاتحاد الأوروبي وبالأحزاب التقليدية في السلطة هي أحزاب اليمين المتطرف ففي المانيا القوة الاقتصادية الرئيسية في الاتحاد الأوروبي انقلب الشباب الالماني بكثافة ضد أحزاب السلطة ومن بين الذين أعمارهم أقل من ثلاثين عاماً صوت منهم 13% فقط لحزبي المجموعة البرلمانية حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مع شقيقه الاجتماعي المسيحي المعروفين باسم (CDU / CSU) والتي حصدت 28% من الأصوات و10% فقط صوتوا للحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) بينما 33% صوتوا لأحزاب الخضر.
في فرنسا حزب التجمع الوطني (الفاشي الجديد) بزعامة مارين لوبين كسب مرة أخرى الانتخابات الأوروبية بعد انتصاره عام 2014 بنسبة 23,31% متقدماً على حزب ماكرون (الجمهورية الى الأمام) الذي حصل على 22,41% وجاءت أحزاب الخضر في المرتبة الثالثة أما أحزاب الديغولية الجمهورية والحزب الاشتراكي (أحزاب السلطة التقليدية) فقد تراجعت بخسارة لم تتعرض لها منذ عام 1968 وفي بريطانيا أيضا تصدر حزب بريكست لليمين المتطرف النتائج بـ 31,6% من الأصوات وقد حل حزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بينما تراجعت الأحزاب الحاكمة (المحافظون والعمال) الى المراتب الثالثة والخامسة بنسب 14,1 و 9,1 % حيث تقدم حزب الخضر على حزب المحافظين الجدد بنسبة 12,1% حتى في اسكتلندا فقد تلاشى حزب العمال أمام الانتصار الساحق لحزب الاسكتلندي الوطني وفي بلجيكا سجل تقدم عير مسبوق لحزبي الفلامنيون(NVA & VB) وهي من أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً بينما في اسبانيا تصدرت الحزب الاشتراكي الحاكم النتائج.
المهم أنه في جزء كبير من أوروبا استطاعت أحزاب اليمين المتطرف دعم نفوذها ففي ايطاليا حصد أيضاً حزب اليمين المتطرف 30% من الأصوات مقابل الحزب الديمقراطي 22% وحركة خمسة نجوم 21% حتى في أوروبا الشرقية تقدمت هذه الأحزاب في عدة بلدان كما حصل في هنغاريا وهذا يعني أن النخب الحاكمة تتجه نحو اليمين لكن حتى الآن حركة فاشية ضخمة كالتي تنامت في القرن العشرين لم تتسع بعد إنما لا نعلم مع تصاعد الغضب الشعبي حيال الطبقات الحاكمة التي تصرف مئات المليارات على القوة العسكرية كما تقود عمليات قمع في عدة بلدان أوروبية كما فعل ماكرون ضد الستر الصفراء وحيث يتم بناء شبكات واسعة من معسكرات الحجز لللاجئين علماً أن التباعد بين الأحزاب التقليدية وأحزاب اليمين المتطرف حول هذه الأمور هي مسائل تكتيكية في السياسة الخارجية والمهم معرفته هو هل سيكون بإمكان الاتحاد الأوروبي بناء قوة مسلحة أوروبية مشتركة في مواجهة اندفاعة التحول الحمائية التي يتخذها ترامب في الولايات المتحدة الأميركية أيضاً أمام قوة روسيا والصين وهذا ما نوجهه الى ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين.
إن نتائج الانتخابات هذه ستغير المعطيات والتوازنات السياسية في البرلمان الأوروبي وهذا الاضطراب في المشهد السياسي الجماعي كان منتظراً فهناك شبح أسود مقابل موجة خضراء ومنذ النتائج الأولى للانتخابات بدا التصدع على الاتحاد بين اليمين المتطرف وجماعات البيئة لقد سجلت الانتخابات الأوروبية للعام 2019 انعطافة إيديولوجية لا بل تغيير حقبة فها نحن ندخل عصر التقهقر حيث نشهد تمرداً على نطاق عالمي ضد النظام الليبرالي الذي ساد بعد عام 1989 وما يميز هذه الانتخابات أنها سجلت نهاية حكومة الحزبين.
عن موقع فالميه

 

ترجمة مها محفوض محمد
التاريخ: الخميس 30-5-2019
الرقم: 16990

 

آخر الأخبار
"صندوق التنمية السوري".. خطوة مباركة لنهوض سوريا على كل الصعد من الجباية إلى الشراكة.. إصلاح ضريبي يفتح باب التحول الاقتصادي فضيحة الشهادات الجامعية المزورة.. انعكاسات مدوية على مستقبل التعليم   أزمة إدارية ومالية.. محافظ السويداء يوضح بشفافية ملابسات تأخير صرف الرواتب "صندوق التنمية السوري".. إرادة وطن تُترجم إلى فعل حين تُزوّر الشهادة الجامعية.. أي مستقبل نرجو؟ جامعة خاصة تمنح شهادات مزورة لمتنفذين وتجار مخدرات  وزير الاقتصاد: ما تحقق في"دمشق الدولي" بداية جديدة من العمل الجاد "اتحاد غرف التجارة الأردنية" يبحث تطوير التعاون التجاري في درعا تفعيل دور  الكوادر الصحية بالقنيطرة في التوعية المجتمعية "المرصد السوري لحقوق الإنسان" يقطع رأس الحقيقة ويعلقه على حبال التضليل حملة فبركات ممنهجة تستهدف مؤسسات الدولة السورية.. روايات زائفة ومحاولات لإثارة الفتنة مع اقتراب العام الدراسي الجديد...  شكاوى بدرعا من ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية  برامج تدريبية جديدة في قطاع السياحة والفندقة إلغاء "قيصر".. بين تبدل أولويات واشنطن وإعادة التموضع في الشرق الأوسط دعم مصر لسوريا..  رفض الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية  تطوير التشريعات والقوانين لتنفيذ اتفاقيات معرض دمشق الدولي أزمة المياه تتجاوز حدود سوريا لتشكل تحدياً إقليمياً وأمنياً "كهرباء القنيطرة": الحفاظ على جاهزية الشبكة واستقرار التغذية للمشتركين جهود لإعادة تأهيل مستشفيي المليحة وكفربطنا إشارات ذكية وتدريب نوعي لرفع كفاءة كوادر المرور