تغــرات واشـنطن من إدلـب إلـى الخليـج!!

من الصعب تجزئة ملفات وقضايا المنطقة، أو قراءة أي واحدٍ منها على حدة دون الأخذ بالاعتبار ما يجري في الملف الآخر أو ما تتعرض له باقي القضايا، ولا سيما أن هذه المنطقة تشكل منطقة مصالح حيوية واستراتيجية لدولة عظمى وأخرى إقليمية لها وزنها وحضورها على الساحة الدولية، فما يجري في الخليج مثلاً من أحداث وتطورات بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأدواتها من جهة وإيران من جهة أخرى تحت لافتة الملف النووي الإيراني هو متصل بالضرورة بما يجري في سورية من أحداث وتطورات وخاصة في إدلب ومتصل باليمن وفلسطين والعراق، لأن رقعة اللعبة واحدة واللاعبون عليها هم أنفسهم، لذلك لا يمكن عزل التصعيد الأميركي الجاري في الخليج ضد إيران عن التصعيد الإرهابي الجاري في محافظة إدلب المعقل الأخير المتبقي للتنظيمات الإرهابية التكفيرية في سورية.
فمنذ أن بدأت حمى (الربيع العربي) تضرب المنطقة بإيعاز أميركي كترجمة مباشرة لمشروع الفوضى (الخلاقة) التي بدأت قبل سنوات منذ ذلك التاريخ في العراق، تصدى محور المقاومة الذي تشكل إيران إحدى مكوناته الأساسية بكل بسالة لهذا المشروع وأفشل العديد من حلقاته، فكانت سورية، بوصفها الطليعة والجبهة المتقدمة لهذا المحور خلال السنوات الثماني الماضية، هي ساحة الصراع بين كلا المشروعين، المشروع الصهيو أميركي لتفتيت المنطقة ورسم خرائطها السياسية وفق المصالح والأطماع الأميركية والإسرائيلية المشتركة، ومشروع المقاومة الساعي لتحرير الأرض والإنسان من قوى الغطرسة والعدوان واستعادة الحقوق المغتصبة ومواجهة التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة.
ومع سقوط تنظيم داعش في معظم الجغرافيا السورية واقتراب المشروع الإرهابي التكفيري الذي ابتليت به سورية في السنوات الماضية من نهايته، حيث لم يبق سوى جبهة إدلب وما حولها تنتظر الحسم العسكري وطرد ما فيها من إرهابيين، تحاول الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من خبث وغطرسة وخداع أن تمارس ضغوطها السياسية والاقتصادية والعسكرية على إيران من بوابة الملف النووي، لإخراجها من المواجهة الدائرة في آخر معاقل الإرهابيين بسورية، ويتزامن هذا الضغط الأميركي على إيران مع إعطاء واشنطن وحلفائها الغربيين الضوء الأخضر للتنظيمات الإرهابية في إدلب وما حولها من أجل القيام بكل ما يلزم من جرائم واعتداءات وفبركات كيماوية للحيلولة دون استعادة الدولة السورية لكامل سيادتها على ما تبقى من أراضيها والتفرغ لإجلاء المحتلين الأميركيين من الجزيرة السورية، وهذا ما يؤكد الترابط بين الملفين، حيث يعتقد الأميركيون أن الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على إيران يمكن أن يضعفها ويرغمها على التخلي عن دعمها لسورية في الحرب على الارهاب، ويمكن أن يؤدي تفكيك محور المقاومة في مرحلة لاحقة، وليس سراً أنه كان الهدف الرئيسي المعلن لمجمل الحرب الارهابية على سورية، ولا يختلف مراقبان بأنه كان هدفاً صهيونياً بامتياز.
لو عدنا للشروط التي وضعها ترامب من أجل إعادة التفاوض مع إيران بشأن ملفها النووي ووقف الحصار الاقتصادي المفروض عليها، سنجد أن معظم هذه الشروط مرتبطة بالدور الذي تلعبه إيران على مستوى المنطقة سواء عبر دعمها لفصائل المقاومة ضد إسرائيل أو مساعدة سورية في ملف الحرب على الإرهاب وكذلك الموقف من الحرب على اليمن والحرب على أفغانستان والوضع في العراق، وما من شك أن اتهام إيران بدعم الإرهاب وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية مرتبط بالموقف الإيراني من الكيان الصهيوني وحالة العداء التي اتخذتها الثورة الإيرانية تجاه هذا الكيان دعماً للشعب الفلسطيني وحقوقه، ويقيناً لو أن القيادة الإيرانية أبدت مرونة وتعاوناً في ملف القضية الفلسطينية لجهة التخلي عن دعم فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان، وقامت بتمرير أو السكوت عن صفقة القرن التي يتبناها دونالد ترامب وفريقه السياسي لخرج الملف النووي الإيراني من التداول، ولأصبحت إيران الحليف الأقرب للولايات المتحدة الأميركية وللغرب عموماً، بالرغم من سنوات العداء الطويلة معها، وللتذكير فقط كان نظام الشاه في إيران ــ قبل الثورة الإيرانية عام 1979 ــ أقرب حلفاء واشنطن وإسرائيل، ولم يكن هناك أي حساسية تجاه برامج إيران النووية التي بدأت برعاية غربية، ولا أي حديث عن قدرات إيران العسكرية، ولم يكن هناك أي مخاوف من دورها في المنطقة، ولعل الجميع يتذكر مصطلح (شرطي المنطقة) الذي كان يطلق على شاه إيران كناية عن الدور السلبي الذي يلعبه على مستوى المنطقة، ما يؤكد هامشية الملف النووي الإيراني الذي يتم تضخيم فزاعته أميركياً إزاء بقية الملفات الأخرى، واستعداد واشنطن لتسوية كل خلافاتها مع إيران في حال اطمأن الكيان الصهيوني لتخلي إيران عن دورها الحيوي الداعم للمقاومة في المنطقة.
الصمود والثبات الإيراني في مواجهة التهديدات والشروط الأميركية ألقيا بثقلهما على الموقف الأميركي عموماً حيث بدأت تفوح من واشنطن روائح التراجع والرغبة بالتهدئة والتفاوض والحوار رغم التخرصات الحمقاء التي يخرج بها ثنائي التطرف والتصعيد الأميركي جون بولتون ومايك بومبيو، وهذا من شأنه أن يؤثر في ملف تحرير إدلب إيجاباً، ولكن لا يعني أن المواجهة مع المشروع الأميركي قد انتهت بل يمكن القول أنها انتقلت إلى محطة ثانية مع تسجيل نقاط جديدة لمحور المقاومة ومكافحة الارهاب في الصراع مع داعمي الإرهاب، وثمة مخاوف من أن يؤدي التراجع الأميركي في الخليج إزاء إيران إلى تشدد في ملف إدلب، ولا سيما مع وجود النظام التركي الذي يمارس هواية اللعب على مختلف الحبال السياسية والتوازنات في المنطقة، وفي كل الأحوال يبدو أن قرار تحرير إدلب من الإرهابيين قد تم اتخاذه وثمة استعداد لتحمل كل النتائج المترتبة عليه، وهذا ما يفسر جنون الإرهابيين ولجوئهم لارتكاب الاعتداءات الجبانة بحق المدنيين في رحلة انتحار متوقعة لن تطول، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم في داعش وبقية التنظيمات الإرهابية التي انهارت على مساحة الجغرافيا السورية في السنوات الأربعة الماضية.

عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 31-5-2019
الرقم: 16991

 

 

 

آخر الأخبار
"لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها