من أصعب فنون الكتابة الأدبية التوجه للطفل، والوصول لعقله والغوص في مكنونات نفسه ، والارتقاء به وبفكره بأسلوب مشوق لا يفقده شغف الطفولة ومرحها، نحن اليوم أمام لقاء شيق مع الأديب الراقي بأسلوبه وطرق طرحه «سلام اليماني» لنتناول معه العديد من القضايا:
– معظم كتاباتك مسرحيات كوميديّة موجّهة للأطفال الكبار، وتحمل هذه الكتابات بُعداً فلسفيّاً، فهل يصل محتواها إلى الطفل المتلقّي؟ وما هو دورك في تطوير فكر الطفل خلال مسيرتك الإبداعية؟
من الضروريّ أن نقدّم للطفل من الفكر ما يقدر أن يعرفه، وينفعه في فهم واقعه المحلّيّ والإقليميّ والعالميّ أيضاً، فهماً يمكّنه من الإسهام في بناء شخصيته بناء عقلانيّاً وعاطفيّاً وأخلاقيّا متكاملاً، فيمكّنه من الإسهام في بناء بلادنا بناءً متطوّراً حين يكبر.
والمسرح فنّ، يمتاز بأنه يحوّل المفاهيم والأفكار المجرّدة إلى قِيَم تهزّ الوجدان وتنغرس فيه، والقيم من أهمّ دوافع السلوك، لنأخذ مثلاً مفهوماً سياسيّاً هو (التحالُفات) ففي مسرحيّة (أرنوب وثعلوب) صوّرت خيبات الأرنب مع الأقوياء الذي يريدون إهانته واستغلاله في صراعه ضدّ الثعلب، وهم الكلب والتيس والثور. أمّا الديك الشجاع، ودجاجاته الحكيمات، فقد حاربوا الثعلب وهزموه، لإدراكهم أنّ خطره عليهم مثل خطره على الأرنب. إذنْ: ليكن حليفي مَن حاله مثل حالي وهَمّه مثل هَمّي. وقد يقال إن هذا طرح لمفهوم (التعاون)، لكنّ تفاصيل النصّ تؤكّد أنه مفهوم (التحالُف).
وفي مسرحيّة (ماذا تقول الديوك) نجد (سامر) يحبّ السياحة في المدينة، فيتفرّج على أعمال الناس في الأسواق وحقول القمح. أمه تخاف عليه وتريد إبقاءه تحت رِقابة بيتيّة مشدّدة، وأبوه يتركه حرّاً ليتعلّم من تجربته. ولِمنعه من السياحة يتّفق خاله معه على أن يربّي له سامر اثني عشر صوصاً من أفضل الدجاج، وأن يتقاسماها بالتساوي حين تصير فراريج، ولكنّ سامراً عند القسمة غشّ خاله فأعطاه الأصغر من الفراريج والأقلّ جمالاً، واحتفظ لنفسه بالأكبر والأجمل، فإذا هي كلّها ديوك، وبها خسر حلمه بتكاثرها المستمرّ، وبالنتيجة يدرك سامر أنّ الحرّية شرطُها المسؤولية، ويكون نشيد الختام هو: (الحرّية مسؤوليّة). والحرّية كما هو معروف مفهوم فلسفيّ.
مفهوم ثالث هو (الاشتراكيّة): جسّدتُه في مسرحيّة (سهرة مع البقرة)، ومسرحيّة (الكلمة اليتيمة)، من خلال شخصيات ومغامرات أسطوريّة ذات تصوّرات ووقائع فكاهيّة طفوليّة.
في كوميديا (بحر الذهب) مغامرة طفل مع الرأسماليّة الطفيليّة العالَميّة، وألاعيبها التي تنهب بها أموال المساهمين، وفي كوميديا (التمساح الطائر) كان الموضوع أحداث 11 أيلول، وفيها حرّضت الأطفال على استخدام وسائل التواصل الإلكترونية لتكوين رأي عام طفلي عالمي يعي ويكشف جرائم الرأسماليّة بحقّ الشعوب تحقيقاً لمصالح شركات نهب نفط العالَم.
– كان لك تجربة مع المسلسلات التلفزيونية، ماذا أضفته لإبداعاتك؟
قدّم لي التلفزيون العربي السوري أولى تجاربي وهي مسلسل (الخيزران)، وهو موجّه للكبار، وأهم أهدافه تعرية حُكم (الزعيم الأوحد) لسوريّة أثناء الوحدة، الذي عمل على تدمير الحياة السياسية في سورية، وجاءنا بنظام سياسة القطيع، ورمزها هو الخيزرانة.
المسلسل الثاني كان للفتيان، وعنوانه (المغامر)، وهو تلفزة لعشرات من قصصي ومسرحيّاتي الكوميديّة الطفليّة المنشورة وغير المنشورة، وهدفه الأعلى تحريض الطفل على بناء شخصيّته علميّاً وعمليّاً وأخلاقيّاً.
المسلسل الثالث والأخير (حكاية طويلة عن ذيل طويل)، وهو مسلسل كرتون كوميدي طويل للأطفال، يجمع بين البشر وبين حيوانات مؤنسَنة ذكيّة خارقة العلوم والإبداعات، مضمون النصّ هو التحذير من خطر السباق النووي، ومن وجود السلاح النووي أساساً، والدعوة إلى سلام عالَميّ أخضر، ولقد وافق على النصّ قسم الأطفال في التلفزيون، ولكن الميزانيّة لم تكن كافية آنذاك، ولا أظنّها ستكون كافية، لأنّ فنّ الكرتون باهظ التكاليف.
بطاقة تعريف:
محمد سلام اليماني ولد في حمص 1945.
مجاز في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق1972.
عضو مشارك في اتحاد الكتاب العرب في سورية.
من كتبه المطبوعة :قضية شهرزاد وحكاية الفساد 2006، والانفجار والاغتيال مسرحيتان للكبار 2013، الباهية قصة للأطفال 1998،الوسام مسرحية للأطفال 2002، اللؤلؤة مجموعة قصص للأطفال 2003،التمساح الطائر مسرحيتان للفتيان 200
سلوى الديب
التاريخ: الثلاثاء 4-6-2019
الرقم: 16993