السياســـــة الأميركيـــــة العدوانيـــــة بين حقائـــــق الواقــــع والتضليــــل المأجـــــور

إذا أردنا أن نعرف السياسة الأميركية على حقيقتها بعيداً عمّا يروّج له من أكاذيب وادّعاءات في الإعلام المأجور والمضلّل فليس هناك أصدق وأدق وأوضح مما يقوله بعض المفكرين والإعلاميين الأميركيين، فالمثل العربي يقول «أهل مكة أدرى بشعابها»، غير أن المفارقة هنا أن المتحكّمين بأهل مكة وبشعابها هذه الأيام مهمتهم ممارسة أعلى درجات التضليل والخداع بخصوص السياسة الأميركية ومقاصدها في المنطقة لتبرير تبعيتهم لهذه السياسة الاستعمارية البغيضة، وتنفيذهم لأجنداتها التخريبية حول العالم.
فما يسمى خطيب المسجد الحرام المدعو عبد الرحمن السديس وهو أحد شيوخ الوهابية المتحالفة مع بني سعود، يقول في أحد خطبه أن الولايات المتحدة والنظام السعودي يقودان العالم إلى مرافئ الأمن والاستقرار والرخاء، في المقابل يؤكد نعوم تشومسكي المفكر الأميركي من أصول يهودية أن أميركا تقود العالم من حرب إلى حرب دون توقف، ما يؤكد أن هذا المفكر الأميركي أدرى بشعاب نيويورك ومكة، وأقدر على قول الحقيقة من فاقدي البصر والبصيرة في مملكة الرمال السعودية.
فالمراقب للسياسة الأميركية منذ عقود ـ ونحن هنا لا نأتي بجديد ـ يدرك أنها سبب الفوضى والخراب والدمار الذي يضرب العالم هذه الأيام ولاسيما أن الفوضى كانت شعاراً معلناً لسياسات أكثر من إدارة أميركية، ولو توقفنا فقط عند الأزمات والحروب التي عصفت بمنطقتنا منذ هجمات 11 أيلول عام 2001 على الأقل ـ مع العلم أن التدخل الأميركي في المنطقة كان سابقاً لهذا التاريخ بعقود طويلة ـ سنجد بين أيدينا حربي العراق وأفغانستان بكل الأهوال والمجازر والفظاعات التي ارتكبت سواء ما تم توثيقه وما لم يتم توثيقه حتى الآن، ومع انطلاق ما يسمى «الربيع العربي» الأسود الذي تفاخرت إدارة أوباما بتبنيها له، وكان سلاح ترامب لإدانة منافسته هيلاري كلينتون والفوز على حسابها بالمقعد الرئاسي قبل عامين، صارت الولايات المتحدة مسؤولة عن الحروب الإرهابية التي عانت منها كل من سورية والعراق وليبيا وصولاً إلى الحرب العدوانية التي يشنّها النظام السعودي على اليمن برعاية وتحريض ودعم أميركي معلن.
رغم قرار الانسحاب من أزمات المنطقة وحروبها، القرار الذي أعلنه ترامب في مستهل ولايته الرئاسية لا تزال الولايات الأميركية تضطلع بدور كبير في إدارة الحروب والنزاعات والرغبة في إشعال المزيد منها، وقد كاد العالم خلال الأسابيع الماضية يشهد حرباً مدمرة جديدة في الخليج بين الولايات المتحدة التي أرسلت جنودها وأساطيلها وقاذفاتها الاستراتيجية وأنظمتها الصاروخية إلى المنطقة على هذا الأساس وبين إيران التي لا ذنب لها سوى أنها تدعم حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الذي هو بالأصل جريمة ضد الإنسانية في نظر القانون الدولي، فكيف تكون أميركا صانعة للسلام أو تسعى لاستقرار ورخاء العالم ولديها كل هذه الغطرسة والجموح نحو الحرب واستخدام العنف المفرط والقوة العسكرية الهائلة بما في ذلك التهديد باستخدام الأسلحة النووية كما جرى في حالة إيران وكورية الديمقراطية ـ واستخدامها كما جرى ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية ـ لتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية..؟!
إذاً الحروب سواء أكانت عسكرية أم اقتصادية أم غير ذلك هي في الحقيقية جزء من الاستراتيجية الأميركية للسيطرة على العالم والتحكّم بمصيره ونهب ثرواته وقهر دوله وشعوبه، وليست مصادفة أن الإنفاق العسكري الأميركي هو الأضخم عالمياً وأن الميزانية العسكرية الأميركية تعادل أضعاف ما تنفقه معظم دول العالم الكبرى، والتي لو تم صرفها في الشأن الإنساني لما ظل جائع أو فقير أو أمي أو متشرد على وجه الكرة الأرضية، في حين أن قواعدها العسكرية حول العالم تقترب من ألف قاعدة معلنة، عدا عن القواعد السرية وخلايا أجهزة الاستخبارات المتخصصة بالاغتيالات وإثارة النزاعات والحروب وباقي المشكلات من أجل الاستثمار فيها لاحقاً.
من المعروف أن الحروب بالنسبة لواشنطن هي أكبر روافد اقتصادها الرأسمالي الجشع، لأن الحروب تضمن لها تشغيل مصانع الأسلحة العملاقة وتوقيع صفقات الأسلحة الضخمة وفي ظل وجود الأمن والسلام لن يكون هناك حاجة للسلاح، أما بالنسبة لحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الشعوب واستقلال الدول فهي مجرد شعارات أميركية جوفاء لطالما سقطت في الاختبار، تستخدمها الإدارات الأميركية للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وقد كشفت استطلاعات رأي أميركية مرات عديدة أن السياسة الأميركية تعاني من الرفض عند معظم شعوب الكرة الأرضية لهذه الأسباب وغيرها، ولا أدل على ذلك من السؤال الذي تم طرحه مباشرة بعد 11 أيلول في أميركا «لماذا يكرهوننا»..؟!
ورغم تعدد محاولات الإجابة والتفسير لهذا السؤال منذ ذلك الحين حتى اليوم، إلا أن أغلب التعليقات الاستنكارية جاءت من منطقتنا ودارت حول مسألة أساسية وهي أن أميركا لا لا تعبأ لتبعات سياساتها الاستفزازية في المنطقة، وبالطبع كان التعليق الأكثر شيوعاً هو أن أميركا تتخذ موقفاً عدائياً دائماً من قضايا العرب والمسلمين وفي مقدمتها قضية فلسطين وتقدم دعماً مطلقاً وبلا شروط للاحتلال الإسرائيلي، وقد جاءت تصرفات واشنطن ودعمها للمنظمات الإرهابية وتدخلاتها في شؤون المنطقة في السنوات الماضية لتصبّ الزيت على نار حقد شعوب المنطقة على الأميركيين عموماً.

عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 7-6-2019
الرقم: 16996

 

 

آخر الأخبار
حلب تتسلم إدارة الوحدات المحلية في الباب وجرابلس "رويترز": القوات الأميركية انسحبت من قاعدتين أخريين في شمال شرق سوريا هموم بحاجة لحلول في اجتماع الأسرة الزراعية بدمشق وزير الخارجية يبحث مع نظيره الألماني هاتفياً تعزيز العلاقات الثنائية بحث لقياس قوة العمل والبطالة في درعا السفارة الأميركية: دعم واشنطن لعودة السوريين من مخيم الهول خطوة نحو إنهاء أزمة النزوح "القاضي"..مستشار أول لشؤون السياسات الاقتصادية واقع الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في شمال سوريا مفوضية اللاجئين تتوقع عودة 1,5 مليون سوري بحلول نهاية 2025 إنتاج حليب النوق تجربة فريدة.. هل تنجح في سوريا؟ خطة طوارىء من حليب النوق إلى جبن الموزاريلا... دراسات تطبيقية تربط العلم بالإنتاج ضمن إعادة هيكلة المؤسسات..  رؤساء دوائر "بصحة " حمص ومزاجية في ترشيح الأسماء الفائضة.. إعادة توزيعهم... الدرويش لـ"الثورة" : عدم توفر البيانات يعيق التخطيط للتحول الطاقي  بمشاركة 182 طالباً وطالبة انطلاق الأولمبياد الجامعي الأول في البيولوجيا   لبنان: الموافقة على خطة عودة النازحين السوريين مدير تربية القنيطرة : تحقيق العدالة والشفافية في المراكز الامتحانية 120468 متقدماً للامتحانات في ريف دمشق موزعين على 605 مراكز سوريا و"حظر الكيميائية" تبحثان سبل التعاون بما يخدم الالتزامات المشتركة  "الأوروبي" يرحب بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا