تبنّى بعض النقاد مفهوم (القراءة التنافسية) وهو مصطلح يوحي بجعل حالة التلقي نوعاً من حَلبة صراع بين القارئ والكاتب، بالمعنى الإيجابي لكلمة (صراع)، على الأفكار وخلاصة الكتاب.
الأمر الذي يصل بنا إلى ما يطلق عليها (القراءة الإبداعية)، فالقراءة وحالة التلقي عموماً، تحتاج إلى شيء من إبداع وابتكار.. وربما استطعنا بوصفنا قراء تنافسيين، استبطان واستقراء أفكار ومقاصد لم تخطر ببال المؤلف نفسه.
هل تغدو القراءة بهذا المعنى عملية ملء فراغات؟، ربما لم تكن تلك الفراغات واضحة بذهن صاحب النص.
في كتابه (القارئ في الحكاية)، رأى المفكر والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو أن النص الأدبي ليس كياناً مكتملاً بذاته، فليس هناك نص يمكن أن يُفهم بمعزل عن القارئ.
وتحدث عن مفهوم (القارئ المثالي) وهو الذي لديه معرفة ثقافية ولغوية كافية لفهم النص بأفضل ما يمكن.. ومع ذلك فالنص ليس لديه معانٍ (ثابتة).. وكل ما يفعله قارئه هو محاولة ملء فراغات ذاك النص غير الثابت وغير المكتمل وفق “إيكو”.
النص بحسب “إيكو” عبارة عن دعوة للقراءة والتفسير المستمر، بوصفنا (نصوصاً بشرية) قابلة لقراءات متنوعة وعديدة نحتاج دائماً لقراءة حيوية من قِبل الآخر تساهم بملء فراغات كينونتنا وتحقيق التفاعل الذي ينقذ آدميتنا.
ضمن علاقاتنا الإنسانية، ثمة تساؤلات تُسيّر وتيرة هذه العلاقات، كأن نطرح على ذواتنا: هل قرأتُ الآخر بشكل صحيح؟، وهل استطعت التعامل معه على أساس أنه نص قابل لتأويلات عديدة وغير منغلقة على ذاتها؟، بالوقت ذاته علينا أن نسال أنفسنا: هل قرأني الآخر بشكل صحيح؟، والسؤال الأكثر إشعالاً للمعنى حين نواجه الآخر: هل قرأتَني بطريقة سليمة؟.
قبل الإجابة عن أي من هذه التساؤلات علينا أن نوفّر سياقاً سليماً وصحياً لعملية قراءتنا (لنصوص بشرية) متغيرة ومتجددة بدفق التجدد الزمني الذي تواكبه وتحياه.