خريجو الإعلام.. شغف تقتله البطالة!

الثورة – تحقيق سوزان لاذقاني:

لم يكن رامز لباد، خريج كلية الإعلام، يتوقع أن تنتهي أحلامه بالعمل في المجال الصحفي أو التلفزيوني بهذه السرعة. حيث يقول: بعد سنوات من الدراسة والتدريب، وجدت نفسي أصطدم بواقع البطالة وقلّة الفرص المتاحة أمام خريجي الإعلام في المؤسسات الإعلامية المحلية. وأمام ضيق الأفق وارتفاع تكاليف المعيشة، قررتُ ترك مجال الإعلام تمامًا والسفر إلى الإمارات للعمل طاهيًا (شيف) في أحد المطاعم. لم يكن القرار سهلًا، لكنه جاء نتيجة شعوري بأن العمل الإعلامي بات حلمًا بعيد المنال، وأن المهارات التي اكتسبتها خلال دراستي لم تجد طريقها للتطبيق العملي في سوق العمل. ويبدو أن الواقع يفرض خياراته، إذ يؤكد رامز: “لم أترك الإعلام لأنني لا أحبه، بل لأنني لم أجد فرصة واحدة تثبت أن جهدي في الجامعة كان يستحق أن يُترجم عمليا.” ويضيف: رغم حبّي لمهنة الإعلام، إلا أن ضيق الفرص وغياب التدريب العملي الجاد دفعني للبحث عن مصدر دخل آخر يضمن لي حياة مستقرة.

يوافقه في الرأي زميله رواد القائد الذي يؤكد أن العمل المستقل خيار فرضته الظروف، حيث يقول إنه اتجه للعمل بشكل مستقل في مجال إنتاج الأفلام الوثائقية، وأطلق قناة خاصة على يوتيوب لعرض أعماله، وذلك نتيجة غياب فرص العمل المتاحة أمام الخريجين الجدد، فمعظم الفرص المطروحة كانت تشترط خبرة لا تقلّ عن سنتين، وهو ما جعل الطريق مسدودًا أمامه رغم محاولاته المتكررة للتقديم. وأضاف: معضلة الخبرة شرط يعطل انطلاقة الخريجين. ويتساءل: كيف يُطلب من إعلامي حديث التخرج خبرة تمتد لعامين كاملين وروابط لأعمال مهنية، في حين أنه لم يحصل على فرصة أولى لدخول سوق العمل؟.

ويرى أن هذه المفارقة تُعدّ من أبرز العوائق التي تواجه الجيل الجديد من الإعلاميين. ويشير إلى أن الجامعات تتحمل جزءًا من المشكلة، إذ لا توفر فرص تدريب مهنية كافية تساعد الطلاب على الاندماج المبكر في سوق العمل، مما يجعل الخريج يواجه الواقع المهني دون خبرة عملية حقيقية رغم سنوات الدراسة.

ويؤكد رواد، أنه لم يقف مكتوف اليدين، فخضع لعدة دورات تدريبية في مجالات الصحافة الاستقصائية والصحافة الرقمية، وحصل على شهادات من شبكة أريج الإعلامية وشبكة محرري الشرق الأوسط (مؤسسة مينا)، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا للحصول على وظيفة، لأن “الخبرة” كانت ولا تزال العامل الحاسم.

ويرى أن سوق العمل في الإعلام بات يعطي الأفضلية لصناع المحتوى حتى وإن كانوا غير أكاديميين، على حساب الخريجين الذين درسوا وتعبوا للحصول على شهاداتهم.

ويصف هذا الواقع بأنه جعل من مهنة الإعلام “مهنة حيطها واطٍ”، يمكن لأي شخص دخولها دون تأهيل أكاديمي حقيقي. ويختم بالقول إنه استمر في عمله الخاص بمجال تنظيم الحفلات والمناسبات كوسيلة للاستمرار، لكنه لا يزال يبحث عن فرصة حقيقية للعمل في المجال الإعلامي الذي اختاره بدافع الشغف، على أمل أن تتحقق رغبته يومًا ما.

انعكاس لظاهرة أوسع

قصتا رامز ورواد ليستا حالتين فرديتين، بل انعكاس لواقع يعيشه العديد من خريجي الإعلام الذين اضطروا لتغيير مسارهم المهني بشكل كامل. ففي ظلّ ارتفاع معدلات البطالة وضعف فرص العمل في المجال الإعلامي، أصبح كثير من الخريجين يتجهون إلى مجالات لا تمتّ لتخصصهم بصلة، فقط من أجل تأمين دخل ومعيشة مستقرة.

ظاهرة تتجاوز التخصّص

تقول الدكتورة أميمة معراوي إن مشكلة البطالة لا تقتصر على خريجي الإعلام فحسب، بل تشمل معظم خريجي الجامعات من مختلف الكليات. إلا أن هذه الظاهرة تظهر بشكل أوضح لدى خريجي الإعلام، بسبب عدم التوازن بين أعداد الخريجين والشواغر المتاحة في المؤسسات الإعلامية. وتضيف: إن عدد الخريجين من كلية الإعلام بأقسامها الأربعة، إضافة إلى خريجي التعليم المفتوح والجامعة الافتراضية، يفوق بكثير احتياجات سوق العمل. وترى الدكتورة معراوي أن المناهج في كلية الإعلام مناسبة ومتطورة بشكل مستمر، إذ يحق للأساتذة إضافة 30 بالمئة من خارج المقرر وتقديم أمثلة من الواقع الإعلامي المعاصر. وتشير إلى أن الخلل لا يكمن في المناهج نفسها، بل في ضعف القدرة على تطبيق ما يُدرّس نظرياً بشكل عملي، وهو جانب أساسي لتأهيل الطالب المهني.

الاستوديو التعليمي

تؤكد الدكتورة معراوي أن عودة الاستوديو التعليمي إلى كليّة الإعلام هي الخطوة الأساسية لحلّ هذه المشكلة، فهو المكان المخصص لتدريب الطلاب عملياً على ما تعلموه أكاديمياً.

وتضيف: إن الاستوديو كان مجهزاً بكل التقنيات الكفيلة بتخريج طلاب قادرين على دخول سوق الإعلام كمحترفين، لكنّه توقف عن العمل لأسباب لم تُوضّح.

التعاون بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية

وتنفي الدكتورة معراوي أن تكون الجامعات غير متعاونة مع المؤسسات الإعلامية، بل تؤكد أن العكس هو الصحيح.

وتوضح أن التعاون القائم حالياً غالباً ما يكون شكلياً، إذ يزور الطالب المؤسسة الإعلامية للتعرف عليها فقط دون ممارسة فعلية للمهنة، وهو أمر مفهوم لأن المؤسسات لا تستطيع تعطيل أعمالها لتدريب الطلاب.

ومع ذلك، تشير إلى وجود بعض المبادرات الإيجابية من مؤسسات إعلامية بادرت بالتعاون مع كلية الإعلام في مجالات تدريبية محددة.

أمل بمستقبل أفضل

تبدي الدكتورة معراوي تفاؤلها بالمستقبل، مؤكدة أن الأمل كبير في تحسّن الأوضاع خلال الفترة القادمة، وأن نسبة البطالة في البلاد عموماً ستشهد تراجعاً تدريجياً.

وتختم الدكتورة معراوي حديثها بالإشارة إلى أن كلية الإعلام تعمل حالياً على عقد ورشات تدريبية للطلاب في مختلف المجالات الإعلامية الحديثة، مثل صناعة المحتوى، الذكاء الصناعي، مهارات الإلقاء، الظهور الإعلامي، والتواصل الفعال.

وترى أن هذه الخطوات تسهم في تجسير الفجوة بين الدراسة الأكاديمية وسوق العمل.

غياب الإحصاءات الدقيقة

يشير الخبير الاقتصادي إيهاب إسمندر إلى أن غياب مسوح قوة العمل يمنع إصدار أرقام رسمية دقيقة حول بطالة خريجي الإعلام في سوريا، لكن تقديرات مبنية على دراسات ريادة الأعمال تُظهر أن البطالة بينهم تقارب 46 بالمئة، وتشمل من يعملون خارج تخصصهم، ومع ذلك تبقى أقل من معدل البطالة العام البالغ 55 بالمئة نتيجة التراجع الاقتصادي وتسريح العاملين.

ورغم الأزمة، توجد مبادرات محدودة تستهدف خريجي الإعلام، منها القمة العالمية للإعلام الذكي (2025)، ومبادرة “سوريا الرقمية”، و”شبكة المستثمرين السوريين” التي تدعم المشاريع الإعلامية والتقنية الناشئة.

وينصح إسمندر الخريجين بالاستفادة من برامج التدريب، وبناء شبكات مهنية، والتوجه نحو ريادة الأعمال الإعلامية، إضافة إلى التخصص في مجالات دقيقة مثل تحليل البيانات، مكافحة التضليل، وإنتاج محتوى الواقع المعزز.

ويؤكد أن التحول الرقمي غيّر سوق الإعلام، وفتح مجالات جديدة عبر منصات العمل الحر ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنه يحتاج إلى مهارات تقنية (التسويق الرقمي، تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي) وأخرى شخصية وإدارية.

ويرى أن الإعلام الرقمي أصبح فرصة لتجاوز حدود السوق المحلية والعمل مع جهات عالمية، رغم التحديات المرتبطة بالبنية التحتية، والعقوبات، والحاجة للتدريب المستمر.

ويعيد إسمندر جذور المشكلة إلى سياسات القبول الجامعي التي اعتمدت على الاستيعاب الكمي والمركزية والأبعاد الأيديولوجية، ما نتج عنه تخريج أعداد تفوق قدرة السوق على استيعابها.

ويختتم بأن تحسن الظروف الاقتصادية ورفع العقوبات قد يفتحان المجال لإصلاحات في التعليم والإعلام، خصوصاً مع مبادرات تطوير الإعلام الرسمي مثل “انطلاقة سانا الجديدة”.

الإعلام مهنة تتطلب الثقافة

يقول: مدير الموارد البشرية في إحدى مؤسساتنا الإعلامية (طلب عدم ذكر اسمه) إن الإعلامي اليوم يجب أن يمتلك معارف متشعبة، تتنوع بين السياسة والاقتصاد والصحافة والتدقيق، وصولاً إلى مهارات التصوير والمونتاج، فالإعلام لم يعد تخصصاً أحاديّاً، بل منظومة واسعة تتطلب من الممارس أن يكون قادراً على التعامل مع عدة مجالات في آن واحد.

ويؤكد أن من أساسيات العمل الإعلامي امتلاك القدرة على البحث عن المعلومات من مصادر مختلفة، إضافة إلى القدرة على العمل تحت الضغط، وهي من السمات التي باتت مطلوبة بشدة في غرف الأخبار الحديثة.

ويشير إلى أن الإعلام الرقمي أصبح اليوم في صدارة العمل الإعلامي، ما يستوجب إتقان الأدوات الرقمية وتطبيقات التحرير الإلكتروني، فضلاً عن القدرة على التعامل مع منصات النشر الحديثة، فالإعلامي لم يعد يملك خيار الابتعاد عن التكنولوجيا.

ويشدد المتحدث على أن فهم السياق الإعلامي في أي دولة لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية، بل يتطلب أيضاً قدرة على قراءة الواقع وتطبيق ما تعلّمه الإعلامي نظرياً على الأرض، بما يتوافق مع خصوصية البيئة التي يعمل فيها.

ويوضح أن من أبرز أسباب رفض حديثي التخرج في المؤسسات الإعلامية هو نقص الخبرة العملية.

فالمؤسسات، خاصة في مراحل الإطلاق أو الانطلاقة الجديدة، لا تملك الوقت الكافي لتدريب طلاب جدد، لأنها لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار التي تسمح بذلك.

ويكشف أن مستوى الخريجين الجدد يُعد في الغالب متوسطاً أو أقل، رغم وجود كفاءات مميزة بينهم، إلا أن الأغلبية – بحسب رأيه – لا يزالون بحاجة إلى صقل مهاراتهم قبل دخول سوق العمل بشكله الاحترافي.

فرص حقيقة عادلة

فرص جديدة بعد التغيير السياسي، وبعد سقوط النظام المخلوع، بدأت تتسع أمام خريجي الإعلام، وهو ما يشير إلى تحوّل جذري في سوق العمل الذي ظلّ مغلقاً أمام الشباب لسنوات طويلة. يؤكد أحد الخريجين “س. ل”: “بعد التغيير حصلت على فرصة حقيقية في مجال الإعلام من دون أي واسطة، وهذا أعطانا تفاؤلاً بأن هناك فرصاً حقيقية للشباب المتخرجين، لكن يحتاجون إلى صبر وإصرار.” ويضيف “س” قائلاً: “قدمت على وظيفة محرر عبر رابط إلكتروني، وتمت دعوتي لمقابلة عمل، وبعد اجتيازي لامتحان شفهي اعتمد على خبرتي بالمجال، تم قبولي. هذا النجاح منحني شعوراً كبيراً بالسعادة والإنجاز، وهذا شيء كنا نفتقده في ظل النظام المخلوع.”

رحلة في عالم الإعلام

تقول الإعلامية كلير عكاوي إن شغفها بالتواصل والتأثير ظهر منذ طفولتها؛ كانت تقف أمام المرآة وكأنها تخاطب جمهوراً حقيقياً، وتلقي ما تتعلمه بصوت مسموع كما لو أنها تقدم نشرة إخبارية. وترى أن رغبتها في أن تكون جسراً لنقل مشكلات الناس شكلت أساس حلمها بدراسة الإعلام، انطلاقاً من التواصل، والتأثير، والقرب من حياة المواطن. توضح كلير أنها لم تخشَ هذه المرحلة، فقد عملت في المجال قبل دخولها الجامعة، وكان الجمع بين الدراسة والعمل نقطة قوة مهمة في مسيرتها. تطبيق النظريات فوراً في بيئة العمل ساعدها على إتقان تفاصيل المهنة، بينما منحتها الخبرة السابقة قدرة أسرع على استيعاب المناهج الأكاديمية. تصف كلير عكاوي بحثها عن فرصة في المجال بأنه لم يكن سهلاً، بسبب المحسوبيات وقلّة الفرص. ورغم ذلك، ركّزت على تطوير مهاراتها حتى يفرض أداؤها مكانته. وعلى مدى عشر سنوات من العمل واجهت تحديات عديدة، بينها ضعف الأجور وصعوبة الاستمرار، لكنها تمكنت من بناء مسيرة إعلامية قوية وخبرة عميقة. تؤكد كلير أن الدراسة الأكاديمية كانت عاملاً أساسياً في تقدمها؛ ساعدتها على تحليل الأخطاء وتصحيحها منهجياً. لكنها تعترف أيضاً بأن الإبداع قد يبرز حتى من دون تعليم أكاديمي، وأن الشغف والخبرة في بعض الأحيان قادران على فتح الطريق. “ناضلوا من أجل ما تحبون.” تشدد كلير على أن الإبداع يولد من الشغف، لا من الواجبات الدراسية. وتدعو الطلاب إلى الاستثمار في أنفسهم وأفكارهم، وعدم التوقف عن التعلم. تؤمن كلير أن التجربة هي الطريق لاكتشاف المجال الذي يبرع فيه كل طالب، وأن السقطات جزء طبيعي من الرحلة، لكن المهم هو إعادة إحياء الحافز وترك بصمة إيجابية في كل خطوة.

آخر الأخبار
"تجارة دمشق" أمام اختبار استعادة حقوق تجار الأدوية فرنسا بين دمشق وبيروت: وساطة لترسيم الحدود ومقترح جديد لباريس إطلاق أول مشروع لتدوير الأنقاض في الغوطة الشرقية بين ترامب وابن سلمان.. الرئيس الشرع يحتل الصدارة وبؤرة الاهتمام "غصون" إرثٌ من اللطف لا يتقاعد أنت النص وأنا القارئ.. والعكس صحيح غوتيريش: التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الجولان انتهاك للقانون الدولي خريجو الإعلام.. شغف تقتله البطالة! لتعزيز التعاون العلمي بين سوريا واليمن: وزراء التعليم يبحثون توقيع برنامج تنفيذي جديد هيئة اللاجئين و"أونروا" تتفقان حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عون يؤكد جاهزية لبنان للانفتاح الإقليمي والدولي برلمان تركيا يدرس خطوات "الكردستاني" ويتّجه للقاء أوجلان لحسم "عملية السلام" تركيا تواصل جهودها لإحياء مفاوضات السلام بين أوكرانيا وروسيا ساندرا عبيد: طموحي الوصول للأولمبياد إعزاز تحيي الذكرى السنوية لاستشهاد القائد عبد القادر الصالح  ولي العهد السعودي في واشنطن.. وترامب يخاطب الرئيس الشرع  أنامل سيدات حلب ترسم قصص النجاح   "تجارة ريف دمشق" تسعى لتعزيز تنافسية قطاع الأدوات الكهربائية آليات تسجيل وشروط قبول محدّثة في امتحانات الشهادة الثانوية العامة  سوريا توقّع مذكرة تفاهم مع "اللجنة الدولية" في لاهاي