كنا لفترة من الزمن نظن أن شيئا من الضمير الإنساني قد دخل إلى السياسة الغربية التي عاثت فساداً في العالم، ونهبت ثرواته لتبني أوطانها، بل استعبدت كل ما يمكن استعباده، مع ترويجهم للمصطلحات التي خلبت البعض راج الوهم الإنساني والثقافة والحضارة، ولكن الحقيقية أن من كان على طبع الحقد والقتل والغدر، لم ولن يغير ما هو عليه، في الحديث عن ذلك آلاف القصص والحكايا، وحري بنا نحن السوريين ألا ننسى وألا نسامح ابداً، لأن الأمر قد تجاوز الحدود كافة، هي سياسة الأرض المحروقة التي يمارسها العدوان الغربي علينا .
لم يتركوا وسيلة أبداً إلا وجربوها، من الحرق إلى القتل فتدمير البنى التحتية، سرقة الآثار، محو كل شيء، هي سياسة مستمرة مذ كان الاستعمار هنا، ما إن ينتهي دور دولة مستعمرة حتى تأتي دولة أخرى تمضي على خطاها، وليتها تكتفي بما جرى، لا، بل تزيد وتبتكر أساليب خراب ودمار لا تخطر على بال أحد في هذا الكون .
وليس من الخطأ أن نذكر بما كانت تفعله فرنسا في سورية، من قصف وحرق، من منا لا يعرف ما كانت عليه المنطقة التي سميت باسم الحريقة، القصف الذي أحالها إلى رماد، هدمت فوق قاطنيها، صارت فعلاً (حريقة ) لاضمير يردعهم، ولا من هم نيام وقد صارواً رماداً، وليس في دمشق وحدها، إنما في كل بقعة سورية، ومازال في الذاكرة الكثير مما كان يرويه الأباء لنا عما فعلته فرنسا بالقرى التي استعصت عليها، من المعروف أنهم كانوا يأخذون كل شيء و لم يتركوا حتى الدجاج صادروه .
القرى النائية التي كانت تقاوم ولايمكن للعدو الفرنسي الوصول إليها، ينتظرالمحتل إلى موسم الحصاد صيفاً، ويضرم النار في الحقول والبيادر، ولا تغادر طائراته المحلقة فوقها إلا وقد اتت على كل شيء، هل هذا غير ما نراه الآن في أكثر من منطقة ؟
أليس الامر استمراراً للأحقاد التي تضرم ، حقول قمح كانت في يوم من الايام طعاماً لكل جائع بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الوطني، او القومي، هل تذكرون تلك الحكايا التي تقول إن شاباً سأل أمه: لماذا: لم يأبه الناس لموت أبي ؟ لم اسمع كلمة رحمة تنزل عليه، روت الأم فظائع الأب التي يندى لها الجبين، في اليوم الثاني، تغير المشهد: جمع من الناس مذهول لما رآه، جثة نبشت من القبر وعلقت على شجرة، والفاعل ابن الرجل، وكانت الصيحة أبوه لم يفعل هذا، ربما هي حكاية مؤلمة، ولكن هل نقول: رحم الله المستعمر الذي لم يصل إلى الشناعة هذه ؟
لا، لن نفعل، فهذه الكبائر ليست إلا من تخطيطه وتدبيره، وجد البهائم التي تمشي في طريقه، وتعمل على حرق حتى لقمة أبنائها، أيعقل هذا ؟ نار تلتهم بفعل فاعل وجودنا وحياتنا، لا نعرف من الفاعل الحقيقي، ولن نتهم احداً، ولكن من يفعل ذلك، ليس أكثر من أجير صغير صغير، سيحرق يوما ما بنار من شغله، كيف لهذا المشهد أن يستمر وإلى متى ؟
لم تكن سورية في يوم من الأيام إلا خبزاً لمن جاع، وفراتاً لمن عطش، وملاذاً لمن أتاها خائفاً، أهذا هو رد الجميل، نعم هو المثل الشعبي القائل (لاتشرب من البير وتبصق فيه ) الامر أبعد من التدنيس والقذارة، هو الانحطاط بعينه، ومهما طال الزمن، يجب أن يعاقب من يفعل ذلك، لأنه يضرم نار الموت بكل ألوان الحياة، لن ننسى، الحريقة، شاهد، شاهد، ولكننا باقون، باقون.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 14-6-2019
رقم العدد : 17000