هل حاولنا أن نحكي لأطفالنا الصغار قصصاً، وأن نمسكهم أوراقها التي كتبت ولونت من أجلهم لتجذب انتباههم وتثير مشاعرهم، بعد أن احتلنا العالم الالكتروني، فأبعدنا عنهم افتراضياً، وأخرجنا من شرانقهم إليه، يتعرضون فيه إلى صخب صورته وضجيج حركته ضمن ألعاب وفيديوهات يتلقونها، فينضجون سريعاً من دون أن يتعلموا ألف باء الحياة بطلاقة، ولاسيما وهم في مرحلة الطفولة؟!
أحد منا يسأل لماذا القصة؟ لأن القصة بمفهومها الفني عمل يمنح الشعور بالمتعة والبهجة، عمل قادر على جذب الانتباه والتشويق وإثارة الخيال وتحفيز المشاعر ضمن هدف أخلاقي أو ترويجي أو لغوي، فاللغة عند الطفل هي الأم، مجموعة من الرموز التعبيرية التي يستخدمها كوسيلة لإيصال أفكاره، لتصبح الكتابة والقراءة والايماءات والكلام فيما بعد أشكالا من تلك اللغة التي تغدو جهازا رمزيا يقرن الصوت بالمعنى، وهنا تكمن أهمية القصة في تنمية مهارتي الطلاقة اللغوية واللفظية التي تكسب الطفل كيفية استدعاء أفكاره أو عاداته أو كلماته استجابة لموقف ما في أسرع وقت ممكن، إضافة للطلاقة التعبيرية في صياغة أكبر عدد من الجمل والعبارات التامة ذات المعنى لتعبر عن أفكار مختلفة، فالقصة تعلم الأطفال التذكر والتخيل والتفكير والتحليل والنقد والقدرة على حل المشكلات، ومعرفة مجتمعهم وتنمية مشاعرهم وتخليصهم من الانفعالات وتكوين ميولهم واتجاهاتهم.
بدليل أنهم يصغون لها بلهفة ويكتشفون من خلالها عوالمهم النفسية والوجدانية، لتصبح القصة مصدرا للتربية والمتعة والتسلية في آن، فإن توفرت في القصة أسباب النجاح في شد انتباههم تلبي حاجاتهم بدءاً من التوجيه، مروراً بالحاجة إلى الاستقلالية وصولاً إلى التقدير الاجتماعي، لذلك تنمي القصة شخصية الطفل من الناحية العقلية والاجتماعية والنفسية والمعرفية فتحفز المفردات اللغوية السليمة عنده وتصحح النطق اللغوي فيتحكم بمخارج الحروف ويصبح أكثر اتقانا في نطقه للكلمات فيكتسب المهارات اللغوية من قراءة وكتابة ويتعلم الاستماع والتحدث، وكل ذلك ماقبل المرحلة الابتدائية لما لها من أثر كبير على الطفل وعالمه وشخصيته ولغته.
قد نقرأ العديد من الدراسات والأبحاث التي أجريت للتعرف على مفهوم القصة وأنواعها وأهمية قراءة القصة للطفل ودور الراوي في شد انتباهه وتحمسه لسماعها، والتي استندت إلى بعض ما كتب في هذا المقال، لكن من المهم أيضاً أن نتبنى قراءة القصة لأطفالنا ونشجعهم على قراءتها لتصبح عادة نمارسها في حياتنا اليومية وتمسي جزءا من ثقافتنا، في بيوتنا ومدارسنا ومراكزنا الثقافية، فكل نتاج الأطفال من تعبيرات وسلوكيات وأساليب لغوية نتيجة تلقيهم القصص الهادفة التي تنمي لغتهم قبل التحاقهم بالمدرسة.
رنا بدري سلوم
التاريخ: الخميس 20-6-2019
رقم العدد : 17005