لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن أخلاق الرجال تضيق، نعم، بيت من الشعر يختصر الكثير من الحال والأحوال، ولربما يلاقيه المثل الشعبي القائل: الفقر لايتعدى على أحد، لا أسوق ذلك لأبرر وباللغة يقولون أسوغ ما نراه من فقر وعوز، لا.. فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب، ولكن في سياق الكثير من تجارب الحياة التي مررنا بها أيام الفقر المتوسط، لا المدقع، فالمدقع منه كان مرا زؤاما لم نعشه، لكن آباءنا في الريف السوري عاشوه، وخرجوا منه بتجارب أكثر رسوخا من تجارب الكثير من أدعياء العمل الاقتصادي.
من الحلول تلك لتأمين رغيف الخبز، زراعة كل شبر من الأرض، أذكر أن أبي رحمه الله، كان يجمعنا قبل الزراعة بيوم ويروري لنا حكايا العمل والبركة والكنز الذي ربما نجده على أطراف الأرض التي لايصلها المحراث، بحيث تُحفر بأيادينا ولايترك منها أي شبر، وقبيل الحصاد يروي حكاية الرجل الذي رأى حلما يقول إن بركة، أرضه بسنبلة واحدة إذا لم تحصد طار الموسم كله، وفعلا تجمع السنابل كلها بشغف، وما من أحد يريد أن تلقى تهمة ضياع قوت العام عليه، وننتهي إلى غلة وفيرة على الرغم من قلة المساحة المزروعة، لكنها مستثمرة كلها تماما.
هل أقول لكم للمرة الألف: إن أمي (حباها الله الصحة والعافية) من اقتناء (عجلة) اشترت لنا أرضا ودخلنا المدارس والجامعات، ومازالت وقد ناهزت التسعين من عمرها تعتني بالدجاجات، وكل صباح عندما أكون في القرية، تناديني لاستلام مخصصاتي الصباحية من البيض، وحتى الآن تعتني بزراعة الثوم والبصل، وتقول لي (هالتاروعة بدها نصبة زيتون، جوزة، تينة، اختر ما تريد..).
الحكاية وما فيها أن من يكبر الحجر لايضرب، من يوزع أرقاما لمشاريع وهمية هنا وهناك تبقى حبرا على ورق الريف السوري يحتاج مشاريع صغيرة مدرة للدخل، ليس عيبا ولا خطأ أن توزع الجهات المعنية عشرين أو ثلاثين دجاجة، ما الضير في ذلك؟
لا أدافع عن الحكومة، بل أعتب لتركها الحصاد المائي الهادر من الساحل يتوجه غربا إلى البحر والعطش يضرب أطنابه، أين السدات المائية؟ وأين المشاريع الصغيرة؟ يمكننا أن نعد المئات من المشاريع التي تدر دخلا وتشغل آلاف الأيادي العاملة وتمد جسورا للحياة، ولكن تحتاج إلى إرادة وعزيمة.
الصين التي تجاوزت المليار تعتمد على الورش الصناعية الصغيرة المتناثرة على امتدادها، المشاريع ليست بالضرورة عملاقة، فكم من حلم بدأ صغيرا وصار كبيرا، الدجاجات التي سخر منها الكثيرون ضرورة ملحة ويجب أن تتبع بالكثير من الخطوات الأخرى التي تقود إلى العمل والإنتاج، من الضرورة بمكان أن نلتفت قليلا إلى القرى إلى الريف، المدن التي أرهقتموها بكل شيء تبتلع كل مقدراتنا، وليتها كانت ترد بعضا من الوفاء تجارة وربحا، ما ينفق على زواريبها يكفي لإقامة آلاف المنشآت الصناعية والزراعية والتنموية الصغيرة التي سوف تصب بالمحصلة أيضا بالمدينة وبأرض الوطن، وشخصيا لو كنت في قريتنا لطالبت بحصتي من الدجاجات ولتذكرت بشار بن برد: رباب ربة البيت تصب الخل بالزيت \ لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 21-6-2019
رقم العدد : 17006