لتَتصف بالدقة والإنصاف والموضوعية أيّ مُقاربة تُحاول فهم التطورات الحاصلة بين واشنطن وطهران من جهة، وبين واشنطن وبقية الأطراف التي أنتجت الاتفاق النووي الإيراني من جهة ثانية، وبين طهران والجانب الأوروبي بمجموعة خمسة زائد واحد من جهة أخرى، لا بُد من تَثبيت حقائق ووقائع أساسية لا يمكن تَجاوزها ولا القفز عليها.
أولاً: اتفاقُ فيينا – الاتفاق النووي الإيراني – الناتج عن مُحادثات شاقة وطويلة بين طهران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وألمانيا، هو اتفاقٌ دولي مُلزم صدر عن مجلس الأمن، بنوده واضحة ومحددة، ويتضمن في مواده ما يُمكن تسميته الشروط الجزائية التي تُبين ما يَقع على عاتق غير المُلتزم به، المُخل بأحد شروطه، كما يتضمن أيضاً ما يَحق للأطراف الأخرى أن تقوم به في هذه الحالة.
ثانياً: لمّا صار اتفاق فيينا اتفاقاً دولياً، فإن واجب حمايته، الحفاظ عليه، صيانته، فضلاً عن إنفاذه ومُراقبة تنفيذه، أصبح واجباً يقع على عاتق مجلس الأمن، المنظمة الدولية، وجميع أعضائها بلا استثناء، بل ويَقع خصوصاً وإضافياً على عاتق مجموعة الخمسة زائد واحد واجب التصدي بحزم لأيّ طرف يُخل به، فكيف إذا انقلب عليه أحد أطرافه وانسحب منه كما هو الحال مع أميركا المارقة؟ وما واجب هذه الأطراف ومجلس الأمن إذا لم يَكتف هذا الطرف بالانقلاب على الاتفاق وراح من جانب واحد باتجاه خيارات التهديد باستخدام القوة، وفرض العقوبات، بذريعة أنه اتفاق سيئ، وتحت عنوان ساقط يدعو طهران لتفاوض ثنائي لإنتاج اتفاق آخر جيد؟!.
هل تفعل الولايات المتحدة شيئاً غير ما تَقَدّم؟ وماذا ينتظر العالم عموماً والجانب الأوروبي خصوصاً، ليَتحرك بمواجهة واشنطن التي بانقلابها على الاتفاق، وبتهديداتها وسلوكياتها التي جاءت عَقبه، صار واضحاً أنها تُهدد ليس إيران فقط، وإنما تُهدد الاستقرار العالمي والنظام الدولي، فضلاً عن التجارة والتبادلات المالية وحركة الملاحة البحرية والجوية، والأمن والسلام الدوليين؟.
«إينستكس»، الآلية التي حاول الجانب الأوروبي اختراعها، هي أقصى ما فعله الأوروبيون، وبقيت كخطوة، خطوة ناقصة لم تُفعّل، وحتى في حال تفعيلها فإن جوانب القصور فيها تتضح يوماً بعد آخر، هذا فضلاً عن أن حالة الجُبن والخوف من أميركا وعقوباتها جعلت المصارف والشركات الغربية الأوروبية ومُتعددة الجنسيات تقف موقفاً سلبياً تُحجم فيه عن العمل وتُبدي تردداً يتضح معه عجز أوروبا، ويُثبت تبعيتها المُذلة لأميركا، ويَنزع عنها كل مصداقية أو موثوقية.
«إينستكس» هي خطوة ناقصة لم تَكتمل، ولا تَكفي حتى في حال اكتمالها وتَفعيلها، وإذا كان الجانب الأوروبي لم يَتحسس بعد خطورة أن يبدو أعجز من أن يتخذ موقفاً مستقلاً عن أميركا، لا يُواجهها، لكنه يَحمي مصالحه، فإن مما ينبغي له أن يَستشعره ويَقلقَ بشأنه هو أن ما جرى حتى الآن في مياه الخليج وبحر عمان ربما يكون المقدمة لما لا قُدرة له على تَحمله، حرب ناقلات النفط بدأت، وموسم الثلج والصقيع لن يتأخر!.. لهذا الحديث بقية، إذ لا يُفهم مما جرى في جبل طارق سوى أن حماقة الالتحاق الأوروبي بأميركا مَطروحة، وقد تكون خياراً، الإعلان الأوروبي عنه غير بعيد!!.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 11-7-2019
رقم العدد : 17021