أصبح بذل المساعي في الدفاع عن أكاذيب ترامب يحاكي في واقعه من يستخدم مظلة لاتقاء شر إعصار عارم، لكن علينا أن نعلم أنه لم ينطق بكلمة حق في البيان الذي أدلى به حول إيران أو الاتفاق النووي، إذ أن كل ما أتى على ذكره بشأن الصفقة النووية عار عن الصحة وينافي ما أكده الواقع خلال السنوات الأربع الماضية.
إذ لم يكن ثمة تخصيب (سري) كما يزعم، ذلك لأن الاتفاق قد أتاح لإيران تخصيب اليورانيوم إلى مستوى متدن، كما سمح لها الاحتفاظ بمخزون صغير من اليورانيوم المنتج مخفض التخصيب، ولم يكن ذلك كله سرياً، إذ أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 15 تقريراً متعاقباً أن طهران ملتزمة بالبنود الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة، ولو نسبنا إليها فرضاً إدارة بعض منشآت التخصيب السرية، فإن الوكالة الدولية ستكتشف انتهاكها للاتفاقية، لذلك فإن ما نشهده في الوقت الحاضر من حملة محمومة ليست سوى محض افتراء هدفها صرف الأنظار عن المأزق الحالي الذي تسبب به ترامب مع إيران.
استعادت إيران أقل بكثير من 150 مليار دولار جراء تخفيف العقوبات المفروضة عليها، علماً أن مستحقاتها تفوق هذا المبلغ وأن ما حصلت عليه لا يمثل سوى الثلث تقريباً، ولم يرد هذا المبلغ منحة من أحد إلى إيران، بل إنه أموال إيرانية تمكنت من الحصول عليها نتيجة رفع العقوبات عنها، وبقيت الأمور على هذا المنوال إلى الحين الذي عمد به ترامب إلى فرض عقوبات غير قانونية ما دفعها للتخفيف من امتثالها الكامل لبنود الاتفاق في مطلع هذا الشهر، وبدا جلياً أن الرئيس الأميركي لا يكترث لالتزام طهران بالاتفاق من عدمه، لأنه انتهك الاتفاقية منذ أكثر من عام على الرغم مما أكدته الوكالة الدولية والوكالات الاستخباراتية الأميركية من امتثال إيران الكامل لها.
إن ما يزعمه ترامب حول استمرار (صلاحية الاتفاقية) لسنوات محدودة تنقصه الدقة والموضوعية، إذ أن ثمة بنود في الصفقة تمتد صلاحيتها ست سنوات، وأخرى أمدها يستمر أحد عشر عاماً، لكن البنود المعول عليها والأكثر أهمية هي التي تحول دون حيازة إيران للسلاح النووي بصورة دائمة، ونتساءل هنا لمَ تقتصر صلاحية بعض القيود على مدة محددة من الزمن؟ ونجد الإجابة في أن الهدف من الاتفاق يتمثل بضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني، وحالما أثبتت التزامها لمدة 10-15 عاماً فإن التعامل معها سيجري كما يجري التعامل مع أي عضو في اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، وقد شرح ذلك علي فايز عام 2017 بالقول:
في مختلف الأحوال، فإن سنوات مضت ثبت من خلالها للوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم وجود أنشطة ومواد نووية سرية في إيران، لذلك فمن غير المسوغ عدم القبول بضمها إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي ومعاملتها كعضو في تلك المعاهدة. وهذا يعني أن إجراءات التحقق غير المسبوقة ستنتهي، لكن عمليات التفتيش الصارمة ستتواصل إلى ما لا نهاية.
إن إيران التي امتثلت لاتفاقية حظر الانتشار النووي، قد التزمت طوعاً بالبرتوكول الإضافي الذي يحول من الناحية العملية دون حصول الحكومة الإيرانية على السلاح النووي. أما إذا طال أمد الاتفاقية، فمن المتوقع أن تصادق إيران على الاتفاقية الإضافية وتقبل بشروطها وفقاً لأسس دائمة، وقد أردف فايز بالقول:
على فرض أن أطرافاً أخرى كانت مترددة بشأن إنهاء الاتفاقية، فإن إيران سوف تصادق على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2023، والذي يتيح إجراء عمليات تفتيش قصيرة الأمد للمنشآت غير المعلنة في إيران الأمر الذي تطبقه طوعياً في الوقت الحاضر، ومن الجدير بالذكر، أنه ليس باستطاعة أي دولة القيام بتطوير الأسلحة النووية دون أن يلاحقها مفتشو الوكالة الدولية المخولين بالوصول إلى جميع المنشآت بموجب البروتوكول الإضافي، وحالما تصادق إيران عليه فهي عملياً تقدم ضمانة تؤكد سلمية برنامجها النووي في المستقبل، لكن حتى ذلك الوقت يجب على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق الالتزام بالوعود على مدى السنوات الأربع القادمة.
تثير أكاذيب ترامب الحنق والغضب، لكن أسوأها كانت تغريدته بفرض عقوبات إضافية، وربما تتساءلون عن ماهية العقوبات التي يمكن فرضها أيضاً على طهران؟ ووفقاً لما ورد فإن واشنطن تدرس استخدام بند في قانون باتريوت الذي من شأنه أن يوقف العلاقات الاقتصادية المتبقية بين إيران وأوروبا ويحول دون العمليات التجارية للسلع الإنسانية، وفي هذا السياق، يقول تايلر كيولس: يبدو أن البند 311 وضع للانتقام من إيران فإدارة ترامب تدرس إصدار ما يسمى بـ (القانون النهائي)، الذي ينص على التوقف عن التعامل مع إيران فيما يتعلق بتوفير السلع الإنسانية ومنع تعامل البنوك الأجنبية القليلة مع البنوك الإيرانية التي يمكن من خلالها تسهيل التجارة المشروعة مع إيران.
يسعى ما يسمى (المتشددون) في إيران إلى إلغاء الاعفاءات المتعلقة بالعقوبات على إيران التي تتيح لبعض الدول التعامل مع طهران في البرامج النووية المدنية على الرغم من أن هذا الإعفاءات أمر ضروري للمحافظة على الصفقة ولأنها الميزة الوحيدة التي مازالت إيران تحصل عليها، وبذات الوقت فإن متشددين أميركيين من أمثال توم كوتون وماركو روبيو وتيد كروز يبذلون شتى المساعي لإلغاء تلك الإعفاءات، وفي هذا السياق كتبت كاثي جيلسينان:
يسعى الصقور في الكونغرس الأميركي إلى إلغاء اثنين من بنود الصفقة والتي تتمثل بالتعاون النووي المدني الدولي مع إيران والتخفيف من عقوبات الأمم المتحدة التي تشمل بعض عمليات نقل التكنولوجيا إلى إيران ونقل الأسلحة إلى البلاد وتطوير الصواريخ البالستية.
إن الصقور في مجلس الشيوخ ما انفكوا يبحثون عن أي وسيلة تُمكن من التخلص مما تبقى من الصفقة النووية، علماً أنهم جميعاً لا يهتمون البتة بمعالجة أمر حظر انتشار الأسلحة النووية، ولا ريب بأن إلغاء أمر تجديد الإعفاءات التي تهدف لتحقيق التعاون في مشاريع نووية مدنية من الأمور التي (يصعب الدفاع عنها) بحسب جاريت بلانك الذي يرى أيضاً أن إلغاء هذا التعاون يلغي الصفقة برمتها ويوفر بعض الذرائع لاستمرار النزاع، وأردف بلانك قائلاً:
لسوء الحظ فإن بعض مستشاري ترامب ومناصريه -الذي يؤيدون إلغاء اعفاءات التعاون النووي المدني- أصبحوا وكأنهم يدعون إيران للعودة إلى برنامجها النووي بدلاً من معالجة الأمور بالوسائل الدبلوماسية، وبتقديرنا نرى أنه ليس من حماقة ترتكب أكبر من ذلك لما تمثله من خطورة لاتباع هذه السياسة في منطقة من أكثر المناطق توتراً في العالم.
وفي نهاية المطاف، نرى أن تغريدة ترامب القائمة على الكذب الفاضح والمثير للسخرية تُفصح عما يزمع القيام به من إجراءات خطيرة ومدمرة في قادمات الأيام.
The American Conservative
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الأحد 14-7-2019
الرقم: 17023