كبرت ولا أصدق نفسي!..
قد كنت طفلاً، وما نحن -الرجال- إلا أطفال أمهاتنا!
مهما كبرت، أو استطلت، سأظل أتذكر معجزة أمي التي كانت تخبئ بعض الشمس في ثيابي وثياب إخوتي المغسولة!..
فقد كانت تجمع الغسيل بعد جفافه، وقت قرب رحيل الشمس وبدء هبوطها آخر النهار..
في زاوية بركن الغرفة فترتفع كومة الثياب النظيفة. في هذه الكومة كنت ألقي بنفسي لأغرق في رائحة بقايا الشمس الراحلة..
الثياب النظيفة تمنح أنفاسي رائحة لم تكن في وعيي غير رائحة الشمس..
غابت كومة الثياب تلك عن ركن الغرفة.. غابت إلى الأبد!
بينما كبرت أنا إلى عمر لم يعد يسمح لي بأن ألقي نفسي في كومة الثياب تلك حتى لو بقيت!
غير أنني عوضت عنها بوصيتي لزوجتي بألا تجمع الغسيل المنشور وحدها حتى آخر النهار بزعم مساعدتها في جمعه..
حينذاك، ألتقط قطعة من الغسيل وأترك وجهي يغرق فيها..
تضحك زوجتي مني وهي تقول: «كف عن هذه الوسوسة»!!
وهي تحسبني أشم الغسيل لأستيقن من نظافته، دون أن تعرف أنني أبحث عن أمي التي كانت تخبئ بعضاً من الشمس في ثيابنا!..
أو أبحث عن رائحة أمي!
عبد المعين زيتون
التاريخ: الاثنين 22-7-2019
الرقم: 17029