بدأت الفنانة التشكيلية لينا ديب حياتها الفنية بالرسم الواقعي، ثم تحولت إلى التشكيل القديم والحديث في آن واحد، محققة مقولة «الأكثر بدائية هو الأكثر حداثة».. ومن هذا المنطلق تعمل على تحويل الرموز القديمة، إلى فسحة للحوار والتأمل والنقاش الثقافي، لاستشفاف العلاقة الحيوية القائمة، بين معطيات التاريخ الحضاري والتأثيرات الفنية الحديثة والمعاصرة، التي تتوق نحو ثقافة الروح وتنأى عن ثقافة العين عبر استحضار العمل الفني التشكيلي, كحدث لذاكرة تاريخية حية، من خلال تقنية الحفر والطباعة.
اهتمامات متنوعة
وهي حائزة على درجة الماجستير من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وعلى الجائزة الأولى في فن الغرافيك على مستوى سورية عام 2005, وعلى العديد من الجوائز التقديرية من جهات رسمية وخاصة, كما تعمل محاضرة في كلية العمارة في جامعة تشرين منذ عام 2000, و محاضرة في كلية العمارة بجامعة الوادي الدولية (الألمانية) – الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا. وهي متخصصة بالديكورـ العمارة الداخلية، ولديها اهتمامات في تصميم وتنفيذ الأزياء وتصميم أغلفة الكتب والشعارات والرسم الموجه للأطفال، ولقد شاركت في معارض عديدة داخل سورية وخارجها (كان آخرها مشاركتها، منذ أيام، في معرض الفن العربي بفندق مونرو في بيروت) وهي مشاركة دائمة في المعارض الجماعية الرسمية، وفي مقدمتها معرض الخريف السنوي. وحائزة على شهادات شرف تقديرية من جهات رسمية وخاصة.
ولقد قدمت في مجموعة أعمالها، وفي مراحلها المختلفة، لوحات بقياسات متنوعة أكدت عفويتها وتلقائيتها وحداثتها، وأظهرت فيها مناخات تلوينية وتقنية متنوعة، بحيث أصبح الاختبار التقني أساساً في صياغة لوحاتها، وإبراز قيمتها التشكيلية والفنية، حتى انها اتجهت في بعض مقاطع لوحاتها لإبراز طبقات اللون، باستخدام مواد تلوينية متنوعة تدخل فيها الطباعة والرسم بآن واحد, كما أظهرت فيها تأثيرات بصرية وتعبيرية استفادت، إلى حد بعيد, من معطيات اللوحة التشكيلية الحديثة، فقدمت على سبيل المثال عناصر تاريخية إنسانية وحيوانية بعفوية مطلقة، وعلى غرار النحت والنقش القادم من العصور الغابرة في فجر التاريخ.
تنويع تقني
وهي تعمد في خطوات الوصول إلى اللوحة المطبوعة، إلى كسر نظام الشكل الواقعي، وكسر السياق الكلاسيكي, وكسر كل الجماليات المستهلكة والمتفق عليها, كشكل تقليدي ونمطي, ليس عبر تنويع المواد والتقنيات فقط، وإنما أيضاً من خلال إدخال بعض الأشكال والرموز، المرسومة بتلقائية وعفوية, والتي تتجه للتعاطف مع الأبجدية الأولى، المقروءة في معطيات التاريخ الحضاري. وهكذا شكلت أعمالها عودة إلى النحت والرسم البدائي, الذي هو من وجهة نظر كبار النقاد والباحثين العالميين, مصدر كل نحت ورسم وحفر وتشكيل حديث ومعاصر.
هكذا تطل أعمال لينا ديب كحالة وجدانية تعكس الصدى الثقافي العفوي القادم من تأثيرات الفنون التشكيلية الحديثة, على فن الحفر والطباعة، من منطلق البحث التشكيلي الذي يجمع ايضاً بين معطيات الماضي ورؤى الحاضر، ومن خلال الجمع في أحيان كثيرة بين الوسائل والمواد والتقنيات المختلفة والمتنوعة (ليتوغراف وميكس وغيرهما).
اختزال وتبسيط
هكذا تستعيد في لوحاتها أشكال الحضارات القديمة وخاصة الفينيقية، كونها ابنة مدينة سورية ساحلية, تنتمي إلى حروف أبجدية خالدة «هي الحروف الأوغاريتية» وبالتالي تتواصل مع خطها الروحي والجمالي النقي,وتساهم في ايقاظها,من ثباتها العميق للوصول إلى تداعيات ما ترسخ في الوجدان، من إغراءات فنية متبدلة ومتغيرة، مع تبدلات الأزمنة، محافظة على المظهر الرئيسي للتعبيرية المشرقية, وكل ذلك يحتاج إلى اطلاع وثقافة واختبار وخبرة تقنية متواصلة ومتجددة.
هكذا تعطي لوحاتها أشكالاً مغايرة، ووحدات مختلفة, عن الوحدات الأصلية, وتظهر في النهاية كلوحة فنية تبرز عفوية وثقافة وحداثة تتاح فيها لخبرتها ولثقافتها بالبروز والظهور، كونها تعمل منذ سنوات, وضمن نزعة إحيائية نقية، مفتوحة على معطيات وتوجهات الفن الحديث، حيت تتجاوز الأشكال الزخرفية المعروفة, وتقدم أشكالاً فنية, لا أعمالا جاهزة أو تقليدية، وما يساهم في إضفاء الناحية الفنية التعبيرية والجمالية, هو اهتمامها بإضفاء أجواء لونية خاصة، لابد أن نشعر بمناخها خلال التنقل بين لوحاتها.
facebook.com adib.makhzoum
أديب مخزوم
التاريخ: الثلاثاء 23-7-2019
الرقم: 17031