«حذارِ أيها العشاق..»

 

 

رسائل الحب الزرقاء الموشاة بالزهر والفراشات، والمعطرة بالشذى والرحيق، والمحملة برقة العبارة وعذوبتها لم ينج منها حتى مشاهير الشعراء، والرسامين، والكتّاب، والفلاسفة، والمفكرين. مَنْ منا لم يسمع برسائل (جبران خليل جبران) إلى (مي زيادة) وهي تفيض بالشعور، أو برسائله إلى (ماري هاسكل) التي بادلها الحب ليس عبر الرسائل فقط.
تلك الرسائل مع مثيلاتها مما يتبادله الأدباء فيما بينهم كما في رسائل الفيلسوف، والمفكر (جان بول سارتر) صاحب فلسفة (الوجودية) إلى رفيقة فكره (سيمون دوبوفوار)، وغيره من أصحاب القلم شكلت جنساً أدبياً قائماً بذاته هو (أدب الرسائل)، وهي لا تقتصر على تبادل المشاعر فحسب بل لتبادل الأفكار أيضاً.. وقد يتوهج الحب عبر تلك الرسائل دون استئذان، وربما دون اللقاء كما كان حال (مي) و(جبران).. ورسائلهما شاهدة على ذلك على مدى عشرين عاماً من اشتعال العاطفة على طرفي لقاء الفكر والقلب، ولتتحول كلماتها فيما بعد إلى أثر أدبي خالد يظل يذكّر بأصحابه.
ذلك كان حال المبدعين.. أما بالنسبة لعامة الناس فعندما ينفصل الأحباء عن بعضهما، وتذوب قصة حبهما، والشغف الذي التهب في وقت ما بينهما يذهب كل منهما إلى مصيره وحده دون الآخر الذي كان رفيقه وحبيبه، وربما دون رسائل تحمل الذكرى التي كانت جميلة في حينها. أو أن الرسائل الزرقاء الشفافة المزينة برسوم أزهار البنفسج، والمعطرة بعطر الحب تطوى، وتودع في أدراج النسيان.. أو أنها تُمزق في لحظة غضب من حب مفقود.. هذا ما كان من شأن قصص المحبين حتى قبل عقود قريبة من الزمن.. إلا أن الأساليب اختلفت في التعبير عن الحب، أو الكره بدخول عصر جديد ممهور بالرقمية الجديدة.
فإذا بتلك الرسائل الورقية تختفي على أجنحة التواصل الإلكتروني فما عاد لها من حضور.. وقد أصبحت العلاقات العاطفية الآن تقاس لا بتبادل أوراق مطوية على عبارات نابعة من الشعور بل بتبادل الإعجابات، والتعليقات السريعة على صحفات مواقع التواصل.. وبعد أن توفرت على شبكة المعلومات عبارات جاهزة للحب، ومقتطفات من أقوال، إلى جانب الصور التي تختصر الكلمات، والرسوم التعبيرية بما يغني عن كل مكتوب.
هكذا تشتعل العاطفة، ويصبح الخطاب عاطفياً بامتياز ما دامت الصلة الرقمية معقودة بين المحبين، وربما تحت أنظار كل من يتابعهما من الأصدقاء.. لكن أمراً ما سيقع بمجرد أن تنفك تلك الصلة، ويحل الخصام مكان الوئام.. فإذا بأحدهما يبادر فوراً الى إقصاء الآخر في تأكيدٍ على أن كل ما بينهما قد ولى، وانتهى.. وسلاحه الأمضى هو حجب من كان رفيقه، وحبيبه من أن يدخل إلى صفحته الإلكترونية، وكأنه يتوارى خلف الجدران المصمتة معلناً انتصاره على الطرف الآخر الذي لم يعد قادراً على أن يتتبع أخبار الحبيب الهارب، وتفاصيل حياته الجديدة التي يرسمها بعيداً عنه.
بل لعله يحظره خوفاً من أن يقع مرة أخرى في ما وقع به قبلاً.. أو أنه يريد حجب أخباره ليُبقيها سراً غامضاً لا يُكشف غطاؤه.. وهكذا تُحجب مبررات الانسحاب، وتغيّر المواقف، والعاطفة ما كانت إلا أرجوحة لم تعلو في الهواء إلا لتهبط.. وأخطر ما في هذا المقال انتقال العاطفة من حال إلى حال، وعدم ثباتها على إيقاع واحد.
لقد أصبح الحظر بمفهوم الحب اليوم إنهاءً لأي علاقة، أو صلة بين طرفين، وقد تكون صدمة الحظر أقسى من كلمات الانسحاب، والهزيمة.. إذ تُختصر كلمات الاعتذار، ومفردات الهروب بخطوة صغيرة واحدة تحل محل كل الإجابات، لينتهي الأمر ببساطة، ولا جدال، ولا نقاش، ولا عتاب، ولا فسحة لإمكانية الرجوع.
فالحظر ثم الحظر، يا مَنْ كنت تظن نفسك أنك الأثير عنده، حتى لا تعود هناك من خيوط خفية تُنسج في اللوحة الخلفية ربما تنهار بسببها أسوار المقاومة، والجفاء ليعود اللقاء بدل الفراق.. وخوفاً من أن يتحقق ما قاله (جبران) في رسائل (الشعلة الزرقاء): «إن الذين يدركون خبايا نفوسنا يأسرون شيئاً منها».
أما مواقع التواصل كلها فهي تسمح بكل طيب خاطر لأن يحجب الحبيب الهارب حبيبه، ودون أن يحتفظ له بنافذة صغيرة يطل منها على أخباره، وشأنه في ذلك شأن كل مسيء لصاحب الصفحة، ولا سبيل لإقصائه إلا بالحجب.. لكن موقعاً واحداً اجتماعياً احترافياً خرج من معادلة العشاق، واستثنى نفسه من أن يقوم أحدٌ بحجب الآخر عنه، ولعله بذلك سجل نقطة إضافية لصالحه لا تعترف بمشاكل العشاق، وخصوماتهم لأنه لا يهتم بالتفاصيل اليومية، وبعد أن انحدر تعامل المحبين بين بعضهم بعضاً إلى درجة تبدل مفاهيم الحب، وتغير أساليب التعبير عنه، ليصبح الحظر على صفحات مواقع التواصل أمراً شائعاً.. ومعياراً لانتهاء كل ما كان بين اثنين، وكأنها الصفحة الأخيرة من كتاب إذ تغلق.
ومن قبلُ كانت رسائل الود والحب لا تُمزق، ولا تُسترد، بل تطوى بعناية وتُخبأ في العلب الثمينة، وفي الأدراج البعيدة حتى بعد افتراق الأحباء، وذهاب كل منهما إلى مصيره. وإذا ما حدث ومُزقت في لحظة غضب فإن الندم يصبح سيد الموقف.
وإذا كنا نلوم ذلك الاختيار الذي بموجبه تُحجب الصفحات عن أناس بعينهم، فإننا لا نستطيع أن نلوم المحبين إذا ما اختاروا الهجر والبعاد، فلكل قصة حب دروب أقدارها التي تسير فيها.. ولكل حالة شغف أسرارها التي تكشفها، أو تداريها.
فحذار أيها العشاق من انطفاء وهج الشعلة الزرقاء وأنتم ما تزالون أسرى من يدركون خبايا نفوسكم.

لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 26-7-2019
الرقم: 17034

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة