ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: لم تكتف الأعراب بالسير وراء الغراب فحسب، بل سابقته وسبقته في الخراب، تحالفت وحرضت وحمّست وحين حلّ الخراب، اصطف الغرب يشترط يميناً ويتريث شمالاً، تاركاً للعرب الغوص في خرابهم ودمارهم.
فبعد الصخب والضجيج والتصريحات المتلاحقة في الليل والنهار وعند الظهيرة، يعود السقف الأوروبي المرتفع بشأن تسليح الإرهابيين إلى «التواضع» قليلاً، وتستعيد طبقات صوته رتمها العادي أو القريب منه، ويشهد الموقف من التسليح اشتراطات لم تكن واردة ولا مطروحة في السابق، فيما تحضر التحذيرات من المخاطر -وتحديداً خطر وقوعها بيد المتطرفين- على غير العادة!!
والسؤال: لماذا -فجأة- باتت فرنسا تشترط، وبريطانيا تبتلع لسانها وتلوذ بالصمت، بينما أميركا تمد «جزرة» التلويح بالمنطقة العازلة، بعد أن استبعدتها على مدى الشهور الماضية؟!!
قبل الإجابة, لا بدّ من التوقف عند ما أقدمت عليه مشيخة قطر من خرق لأبسط قواعد العمل الدبلوماسي ولميثاق الجامعة واشهار تعاملها مع منظمات إرهابية بالتوصيف الغربي ولدى مجلس الأمن والأمم المتحدة، رغم ما ينطوي عليه هذا التعامل من تجريم قانوني وأخلاقي وحتى ميثاقي بموجب قرارات الأمم المتحدة ذاتها.
فالأوروبي كما هو الأميركي، لم يكتشف ما أثار مخاوفه فجأة ولا ما حرك هواجسه نتيجة تموضع جديد، بل يدركون جميعاً ومنذ البداية أن التنظيمات الإرهابية هي العنصر الغالب لأنهم يعرفون ما زرعوا وما أنشؤوا، والتعامل القطري والتركي والسعودي معها كان بعلم أميركي أوروبي مشترك، وبأمر عمليات لا يمكن أن تخطئه العين.
المعادلة كانت تقوم على النفخ الغربي في أدواته المصنعة عربياً وإقليمياً، عبر افتعال معارك وهمية في قضية الخلاف حول تسليح الإرهابيين بين الشركاء الأوروبيين، والكل يدرك تماماً، لو أن فرنسا وبريطانيا كانتا تريدان رفع حظر الأسلحة والتورط في المسألة مباشرة لما احتاج الأمر لكل هذا اللغط!!
لكنها لعبة توزيع الأدوار التي ارادوا من خلالها، الدفع بقطر والسعودية وتركيا إلى التورط قانونياً في المسألة لتكون ورقة ضغط مخبأة في أدراج الغرب، لحين الحاجة، بحيث يمكن ابتزاز هذه الدول إذا ما فكرت بالتراجع عما بدأت به، أو إذا ما تبادر إلى ذهن أي منها أن تعدّل من مقارباتها دون إذن غربي مسبق.
فحين تورطت الدول العربية في الانسياق وراء الحماقة القطرية، وصولاً إلى شرعنة تسليح الإرهاب والتعامل المباشر مع تنظيمات إرهابية، حين ذاك بدأ الانسحاب الأوروبي التدريجي من القضية، كما انسحبت من غيرها عندما حل الخراب، وبتنا نسمع الفرنسيين يتحدثون عن ضرورة عدم تكرار الخطأ الليبي، ورئيسهم عن التريث في تزويد الإرهابيين بالسلاح حتى تتوفر ضمانات بألا يصل إلى المتطرفين، فيما بريطانيا تلوذ بالصمت كعادتها.
على المقلب الآخر، كانت الإدارة الأميركية ترفع من سقف تهديداتها، وتمارس قدراً أكبر من التهويل، عبر التلميح عن خطط تدخل جاهزة للناتو، أو من خلال التصريح بالمنطقة العازلة، كي يبقى الايقاع العربي والإقليمي في تسليح الإرهابيين على حاله، ويستمر التصعيد الإرهابي في زخمه المعتاد حتى إشعار آخر، أو بالتحديد حتى تكون الإدارة الأميركية جاهزة للسير في حل سياسي لم تتبلور ملامحه، ولم تتحقق عوامل السير فيه.
في الخراب العربي .. كان النفاق الغربي يحرك الدمى العربية والإقليمية لتكون بوق نعيقه، وصوت غرابه في التحريض على ما تبقى من أمكنة لم يصلها الخراب بعد، وكان مال المشيخات يحصد ما عجز عنه الغرب في أطماعه، ليكون وقوداً لإرهاب يؤجج اشتعاله في هشيم، ستكون المشيخات تلك وحليفها العثماني ساحةً يزرع فيها ما تبقى في جعبته من جمر رماده.
a.ka667@yahoo.com