تمكن الجيش العربي السوري من تقسيم الغوطة الشرقية إلى شطرين جنوبي وشمالي، وفرض حصاره على مسلحي دوما بشكل كامل بعد السيطرة على بلدة مديرا والتقاء القوات المتقدمة من مسرابا مع القوات الموجودة في إدارة المركبات في مدينة حرستا.
أحكمت طلائع قوات الجيش العربي السوري الطوق تماماً على حرستا التي تعتبر أكبر المعاقل التي كان يتحصّن فيها «فيلق الرحمن» الإرهابي في القطاع الشمالي للغوطة الشرقية، في حين تمكن الجيش العربي السوري من فرض حصار كامل من أربع جهات على الإرهابيين في حرستا، حيث بات الخيار أمامهم إما الموت وإما تسليم أنفسهم.
وأثناء عملية تطويق حرستا، كان هناك فرار كبير لمجموعات إرهابية إلى جانب مجموعات سلّمت نفسها للقيادات العسكرية على المعابر، وخاصة معبر مخيم الوافدين.
أما فيما يخص القطاع الجنوبي للغوطة، فقد تقدم الجيش العربي السوري إلى القطاع الأوسط للغوطة من الشرق نحو الغرب، أي إلى نحو المنتصف أو أكثر بقليل.
واستمرت العمليات العسكرية للجيش السوري ضد إرهابيي «النصرة» وحلفائها في أكثر من منطقة بالغوطة، وخاصة داخل مزارع جسرين والأفتريس.
وعلى محور عين ترما في القطاع الجنوبي من الغوطة نفذت وحدات الجيش العاملة عمليات جديدة داخل المزارع سيطرت خلالها على المزارع المحيطة ببلدة عين ترما بعد دحر التنظيمات الإرهابية منها، ومن ثم واصلت وحدات الجيش تقدمها باتجاه أطراف بلدة عين ترما إلى أن أتمت الإطباق عليها والتمكن من تحريرها كاملة.
بعد تمكنه من التقدم والانتشار الميداني، أعطى الجيش للدولة السورية، وحلفائها هامشاً واسعاً من المناورة في التفاوض مع الرعاة الخارجيين لتلك المجموعات الإرهابية، وكما أفقد الإرهابيين القدرة على التنسيق والتواصل ميدانياً داخل الغوطة، سينتزع من رعاتِهم القدرة على استغلال المجموعات الأخرى لتبادل الاتهامات ورمي المسؤولية، والتي كانت تلجأ إليها عملياً للتملّص من التزامات وقف النار والهدنة والمفاوضات والابتعاد عن المجموعات الإرهابية.
وفي يوم السبت الموافق 14 نيسان عام 1918 أعلن الجيش العربي السوري تحرير الغوطة الشرقية وبشكل كامل من جميع الإرهابيين.
وفي بيان صادر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تمت استعادة القرى والبلدات بعد أن قضت وحدات الجيش على مئات الإرهابيين ودمرت مقرات قياداتهم وتجمعاتهم وتحصيناتهم وأسلحتهم وعتادهم بما في ذلك مصانع ومعامل للمدافع والصواريخ والقذائف المختلفة.
ولفتت القيادة العامة للجيش إلى أن وحدات الجيش أمنت خروج عشرات الآلاف من المدنيين الذين كانت تحتجزهم التنظيمات الإرهابية لاستخدامهم دروعاً بشرية إلى مراكز الإقامة المؤقتة، ووفرت لهم متطلبات الحياة الكريمة من سكن وطعام ورعاية طبية وصحية، وفوراً، باشرت وحدات الهندسة بتفتيش الساحات والشوارع والممرات لإزالة الألغام والمفخخات التي زرعها الإرهابيون في المدن، بغية تمكين بقية الوحدات من تأمين المناطق المحررة وتجهيزها لعودة المدنيين إلى منازلهم آمنين.
وقد تم ضبط العديد من مصانع الأسلحة والذخيرة ومستودعات الأسلحة ذات الصناعة الأميركية والإسرائيلية والغربية، كما تم الكشف عن العديد من مستودعات الأغذية التي كان يحتكرها الإرهابيون ويقومون بتجويع الأهالي وابتزازهم بلقمة عيشهم، كما تم العثور على مستشفيات ومستودعات للأدوية إضافةً إلى عدد كبير من الأنفاق.
على أثر ذلك تبادلت فصائل التنظيمات الارهابية الاتهامات بشأن المسؤولية عن الهزيمة التي منيت بها في الغوطة الشرقية في تأكيد للانقسامات التي عانت منها منذ بداية حربها على الدولة السورية تنفيذاً لأوامر مشغليها قبل سنوات.
وبدأ آلاف من إرهابيي «فيلق الرحمن» وبقية التنظيمات الارهابية مغادرة منطقتهم بالغوطة الشرقية مع أسرهم في انسحاب جرى التفاوض عليه متوجهين إلى أراض شمالي سورية وتحديداً إلى إدلب.
وسقط الرهان الغربي
منذ بدء العملية العسكرية لتحرير الغوطة الشرقية، لجأت الولايات المتحدة الأميركية وحليفتاها فرنسا وبريطانيا ودول أخرى، إلى استخدام كل وسائل الضغط وعلى المستويات كافة، لإعاقة الحسم، ولم تقتصر الضغوط الغربية على إطلاق المزاعم والأكاذيب وتلفيق التهم لدمشق باستخدام الأسلحة الكيميائية، بل كان هناك دعم غير محدود للمجموعات الإرهابية، جزء منه مالي، بحيث ضخت بعض الممالك والمشيخات الخليجية أموالاً إضافية بغية وقف الانهيار السريع للعناصر الإرهابية أمام تقدم الجيش العربي السوري.
انشغال أميركا وحلفائها بالغوطة الشرقية والمحاولات التي قام بها الغرب في مجلس الأمن الدولي والتهديدات التي أطلقها للحؤول دون سقوطها بيد الجيش العربي السوري، كلّ ذلك يؤكد كم كان الرهان الغربي كبيراً على الاحتفاظ بالغوطة قاعدة إرهابية متقدمة، على حين أن تحريرها وإعادتها إلى حضن الدولة السورية الذي بات حتمياً، هو انتصار مدوٍّ لسورية، إذ إن هذه المنطقة بعد مدينة حلب تنطبق عليها معادلة: ما بعد الغوطة الشرقية ليس كما قبلها.
وقد نجح الجيش العربي السوري من خلال استهدافه الدقيق لمواقع الإرهابيين، بأن يوصل رسالة مفادها، أن ورقة الغوطة الشرقية سقطت من أيدي الدول الراعية للمجموعات الإرهابية، وأن كل الضغوط الأميركية والغربية التي تمارس بهدف عرقلة مسار الحسم، لن تؤتي أكلها، ولن تثني الجيش عن مواصلة عمليته العسكرية.
يمكن القول: إن تكتيك تحرير الغوطة الشرقية الذي اعتمده الجيش العربي السوري، يشكل نموذجاً من المناورات الثابتة التي طبعت أغلب عمليات التحرير في سورية، حيث كان لجميع تلك المعارك طابع مميز في تكتيك الاختراق الحساس والمهاجمة المفاجئة والانقضاض العنيف.
وهكذا يكون الجيش العربي السوري بمناورته اللافتة ميدانياً وعسكرياً، فرض المسار الأنسب لحل مشكلة الغوطة الشرقية، التي طالما شكلت ثغرة مؤذية للعاصمة دمشق وخاصرة ضعيفة لها، وهو الآن على الطريق لاستكمال معركة التحرير على كامل الجغرافيا السورية.
إذ إن الجيش العربي السوري كعادته يرسم معادلة النصر في كل مكان يحرره، فقرار الحسم قد اتخذته الدولة السورية، وكما تحرر الجنوب وقبلها حلب ودير الزور والغوطة الشرقية وغيرها من الجغرافيا السورية، عقد العزم على استئصال جذور الإرهاب من إدلب وطي ملف التنظيمات الإرهابية فيها إما بالتسوية أو بالخيار العسكري.
الأهمية الإستراتيجية لتحرير الغوطة الشرقية
تأتي الأهمية الإستراتيجية لتحرير الغوطة الشرقية أولاً من إعادة الأمن والاستقرار بشكل كامل إلى مدينة دمشق ومحيطها بعد أن عانى المدنيون فيها من جرائم الإرهابيين على مدى سنوات عدة، ولكونه أنهى رهان رعاة التنظيمات الإرهابية وداعميها من قوى إقليمية ودولية في حصار العاصمة ومن إمكانية الضغط على الدولة السورية سياسياً وعسكرياً ودعائياً، إضافة لتأمين طرق المواصلات الرئيسية بين دمشق والمناطق الوسطى والشمالية والساحلية، وكذلك مع المنطقة الشرقية عبر البادية وصولاً إلى الحدود العراقية إضافة إلى أنه وجه ضربة قوية للمشروع الإرهابي تجاه سورية أرضاً وشعباً.
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039