بعد مراحل الحسم العسكري التي قادها الجيش العربي السوري على كامل الجغرافيا السورية بدأت ملامح النصر النهائي تنشر تباشيرها مع مطلع كل صباح لتزفها بشرى سارة للسوريين في الأيام القليلة القادمة، فالميدان السوري أعاد الحقوق لأصحابها، بعد أن فرض الجيش العربي السوري كلمته في ساحات المعارك، وبالتالي على الاطراف الداخلية والخارجية كافة، وأوصل رسائله الى كل من يحاول ويسعى لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب حتى القضاء عليه نهائياً.
ومن هنا فالتقدير لم يكن لدى محور الشر صائباً مطلقاً، ففي كل طريق ملتوٍ يحاولون خوض غماره بهدف الإبقاء على الفوضى الإرهابية في سورية، لم تكن تجرِ السفن كما تشتهي أهواؤهم الدموية.
ففي الحرب على سورية تم العمل من دولٍ إقليمية على تكوين حصار خانق على العاصمة من المجموعات الإرهابية المسلحة من الغوطتين الشرقية والغربية للتضيق وشل مراكز القوى الأمنية والعسكرية والمؤسسات المدنية التي هي عصب الدولة السورية فعلياً.
أتى ذلك مع سعي فعلي لواشنطن انتظار لحظة مناسبة ربط منطقة التنف السورية والمحتلة من القوات الأميركية المحتلة بالغوطة الشرقية وبالتالي إعادة الحرب على سورية ربما الى نقطة البداية، وكانت المجموعات الارهابية في الغوطة تحتجز عشرات الآلاف من المدنيين من أطفال ونساء وعجزة, وتستخدمهم دروعاً بشرية بحبسهم بأقفاص لمحاولة منع القوة النارية للجيش السوري.
كما أن القصف الذي نفذته المجموعات الإرهابية، وأوقع عشرات الضحايا من المدنيين في عشرات المناطق داخل دمشق، أعاد تسليط الضوء على الخطر المحدق بالعاصمة دمشق انطلاقاً من منطقة الغوطة الشرقية.. المنطقة التي لطالما شكلت على مدى خمس سنوات منصة لإطلاق القذائف والصواريخ على أحياء دمشق التي تسبّبت باستشهاد وإصابة آلاف المدنيين أطفالاً ونساء ورجالاً.
انطلاقاً من تلك المعطيات وما يحققه الجيش العربي السوري من انتصارات، أراد الجيش العربي السوري أن يعيد ترتيب أولوياته نحو غوطة دمشق تلك خاصرة العاصمة التي كانت مرتع الإرهاب الأول ومنها انطلقت كل العمليات الارهابية نحو دمشق.
التكتيك العسكري للجيش العربي السوري
في الواقع دخلت معركة الغوطة الشرقية نقطة اللاعودة، حيث بدأ الجيش العربي السوري بدعم روسي تقدمه نحو الغوطة الشرقية لتخليص المدنيين وتحريرهم من الحصار الإرهابي.
وفي التفاصيل العسكرية لعملية الجيش العربي السوري تم الاعتماد بداية على نقطة ارتكاز ثابتة هي منطقة إدارة المركبات، التي كانت متداخلة أساساً قبل العملية مع مواقع سيطرة الإرهابيين بين حرستا ودوما شمالاً، مَديَرا شرقاً وعربين جنوباً، وكان الجيش يستشرس دائماً للمدافعة عنها بمواجهة الإرهابيين، تماماً كما حصل سابقاً في قاعدة كويرس الجوية شرق حلب، أو في دير الزور، أو في الأحياء الغربية لمدينة حلب.
بالتوازي مع ضغط وحدات الجيش انطلاقاً من إدارة المركبات في الاتجاهات كافة، توزعت جهود الوحدات المهاجمة على أغلب محاور الاقتراب الممكنة، وحيث أوحت للإرهابيين أن كل اتجاه جاهز لأن يكون محور المهاجمة الرئيسي، اعتمد المحور الشرقي للمهاجمة الرئيسة، وتقدمت وحدات الاختراق غرباً لمسافة كافية، أمنت من خلالها الفصل الكامل بين الإرهابيين، ومحاصرتهم في ثلاثة جيوب منعزلة، دوماً شمالاً، حرستا شمال غرب، ومثلث «عربين- زملكا – كفربطنا» جنوب غرب.
بالتزامن مع العمليات العسكرية للجيش العربي السوري، خرجت تظاهرات حاشدة لأهالي كفر بطنا وسقبا وحمورية وعدد من البلدات والمدن الأخرى رفعوا فيها الأعلام السورية وطالبوا بمغادرة الإرهابيين ودخول الجيش العربي السوري إلى بلداتهم، كما دعوا إلى مواصلة التظاهرات في أكثر من منطقة بالغوطة الشرقية.
انطلاقاً من التقدم الميداني المذكور أعلاه، امتلك الجيش العربي السوري القدرة على استكمال مناورته، تبعاً لنتائج التفاوض المرتقبة، فبعد أن حقق العزل الكامل بين مجموعات الإرهابيين الأساسيين الثلاث، «جيش الإسلام» في دوما، «حركة أحرار الشام» في حرستا و»فيلق الرحمن» مع «جبهة النصرة» في جنوب غرب الغوطة الشرقية، استطاع إبعاد أي تأثير لمجموعة على أخرى كما كان يحدث سابقاً، وحيث فقدت كل من المجموعات الثلاث ميزة الدعم المتبادل، عسكرياً أو تفاوضياً، يمكن للجيش العربي السوري التحكم الآن بالمسارات كافة بالشكل الذي يسرع الحل ويعيد الأمان لأبناء الغوطة الشرقية.
بعد ذلك تمكن الجيش العربي السوري من امتلاك نقاط ارتكاز داخل الغوطة الشرقية، وتواصل وربط بين مجموعاته المنتشرة في الاتجاهات الأربعة، وهذه الوحدات تمتلك الميادين المناسبة لتنفيذ أي عملية مهاجمة تستهدف كل مجموعة إرهابية من الثلاث على حدة، وحيث يملك جهوداً مهمة جاهزة في أي اتجاه، يمكنه الضغط إذا أراد على المجموعات الثلاث مجتمعة بالتوازي، أو السير بالمناورة التي تفرضها معطيات العملية تبعاً لنتيجة التفاوض.
واستخدم الجيش العربي السوري في معاركه مع التنظيمات الإرهابية تكتيكات وأسلحة تتناسب مع المناطق السكنية وطبيعة الأرض الزراعية حفاظاً على حياة المدنيين وعلى ممتلكات ومزروعات الأهالي.
رصد وتحليل – الثورة
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039