«المتابع لتجربة الفنان ماجد الصابوني لابد أن تدهشه تحولاتها المستوعبة لكل ماأفرزه التشكيل العالمي من اتجاهات وأساليب وصيغ فنية حديثة ومعاصرة، يصول ويجول في أقاليم ومنعرجات ودروب هذا الفن بشهية مفتوحة على البحث والتجريب في كل مايتعلق بحمولات المنجز التصويري بدءا من الرسم واللون والمضمون وانتهاء بالأسلوب والطريقة التي يستخدمها في عملية البناء هذه».
ويضيف د.محمود شاهين في حديثه عن تجربة الصابوني «بأنه يخوض غمار الواقعية التي لاضفاف لها، وينتقل بحرية كبيرة بين العديد من المدارس والاتجاهات الفنية المجردة التي أفرزها الفن الحديث والمعاصر مايؤكد على موهبته وامتلاكه لثقافة نظرية وعملية عميقة وشاملة، راكمتها خبرة واسعة في تعامله مع وسائل ووسائط التعبير الفني الذي يشتغل عليه، وبالتالي تمكنه من أسرارها..»
وقد احتفى المركز الوطني للفنون البصرية بمعرضه فكان لنا معه هذا اللقاء وفيه يتحدث عن تجربته خلال رحلة طويلة مع عالم اللون فيقول: لاشك أن الفنان عندما يبدأ العمل في لوحته يتخيل شكلا ومضمونا معينا، ولكن ماإن يضع اللون والشكل والأسلوب التجريدي يتغير كل شيء، فمثلا أستخدم بداية مجموعة ألوان ومن ثم أغيرها لأجد نفسي قد اخترت مجموعة ألوان أخرى، لذلك يمكن القول: «ليس الفن فكرة، بل هو عمل»، والمقصود بأن اللوحات لاتأتي كما يكون مقررا لها في الخيال، والأمور كلها متتابعة في المساحات والألوان وأيضا في التكوينات والانفعالات والأحاسيس فهي تأتي أثناء العمل.
ويضيف الصابوني: أنا أرسم مايناسبني لكونه ينبع من داخلي، لأن الأسلوب ينبع من العمق دون البحث عن مدرسة محددة، وأرسم اللوحة التي لاتنتهي إلا عندما أشعر بأنني أنجزت حقا مايعبر عن دواخلي.
وعندما يشاهد المتلقي اللوحة للوهلة الأولى، ربما يجدها بسيطة، ولكن بعد التأمل يجدها تحتاج للمزيد من التفكير والتدقيق، ومع ذلك يجب ألا نحمل اللوحة أكثر مما تحتمل، فإذا كانت منسجمة والمساحات متوازنة، فهذا يعني أن العمل جيد، ولكن إذا حملت اللوحة الكثير من المضامين سواء الاجتماعية أو السياسية، فهذا يعني بأنني لاأنجز لوحة، لأنني إذا أردت أن أبلغ هذا العمق فسأستخدم الكلمة والشعر، فهما يمنحانني العمق والإمكانية، بمعنى أن فن التصوير لايعبر عنه بالفكر لكونه فنا مشاهدا يجب أن يصل المتلقي إلى الدهشة والإعجاب.
وعن طموحه يقول الفنان ماجد الصابوني: إني أتوق دائما أن أقوم بتوسيع مرسمي حتى لاأشعر بأني مقيد بالمساحة الضيقة الحالية، فمن الصعوبة بمكان العمل بمكان يضيق على اللوحة.
أما بالنسبة للمشهد التشكيلي ومتابعته له، فيتحدث الصابوني عن بداية عمله التشكيلي في محافظة حماه، حيث كان يعرض لوحاته في المدارس، حينها كان الزوار تفوق أعدادهم الحضور الحالي، والكثير منهم كانوا من الفئة الشابة، أما اليوم فلا توجد متابعة وخصوصا من الجمهور غير المختص، وبرأيه يعود هذا إلى سببين، الأول الانشغال بتأمين لقمة العيش، والثاني، تراجع الثقافة وانتشار المفاهيم المغلوطة لشهرة الفنانين الصاعدين دون أسس منطقية أو ركيزة فنية متينة، هذا عدا عن التكرار الواضح في أسلوب الفنانين وانغلاقهم ضمن دائرة محكمة.
ويوجه بدوره رسالة إلى الفنانين الشباب بأن يواصلوا البحث ويستمروا به لتنويع أعمالهم الفنية، ويجتهدوا كي يقدموا دائما ماهو مبدع وحديث وليس فيه أي تكرار.
والنظر أمام بانوراما أعماله المتنوعة كما يرى غياث الأخرس أنه مهما اختلفت مواضيعه يجد الإنسان نفسه أمام مجموعة ألوان تحمل جو البيئة بحداثة مميزة ومتنوعة في جميع مراحله، حداثة متزنة ومكونة بقوة ومنسجمة الألوان، وتبقى روح مدينة حماه من خلال اللاوعي بحضورها القوي.
ويرى د. محمد فاتح المدرس أن أهمية هذا الفنان تأتي من التزامه تكوينات الشرق في رمادياته، وأنه يعيش هذا الحزن الذي أخذ من الرماد لونه، ومن الطبيعة قوتها، وأنه فنان يبتسم أمام الصعاب إلا أن أعماله لاتبتسم كثيرا.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الثلاثاء 6-8-2019
الرقم: 17042