الثورة – لينا شلهوب:
في خطوة وصفت أنها داعمة للمرونة الاقتصادية وتحفيز التعامل المصرفي الطوعي، أعلنت وزارة المالية إلغاء شرط الإيداع الإلزامي لنسبة 50 بالمئة من قيمة العقارات المباعة في المصارف، يأتي هذا القرار استكمالاً لتعميم سابق بشأن منح براءات الذمة المالية لأغراض نقل الملكيات، ما يعكس تحوّلاً في السياسات المالية نحو تسهيل الإجراءات العقارية وتحفيز الثقة بالنظام المصرفي دون فرض قيود إلزامية.
ما الذي تغيّر؟
في لقاء أجرته صحيفة الثورة مع الخبير العقاري عصام قولي، قال: في السابق، كان يتعيّن على البائعين في السوق العقارية إيداع نصف قيمة العقار المباع (50 بالمئة) في أحد المصارف كشرط أساسي لإتمام عملية البيع ونقل الملكية، ضمن إجراءات تهدف إلى ضبط حركة الأموال وتعزيز الشفافية، إلا أن هذا الشرط أثار جدلاً في الأوساط العقارية والمصرفية، إذ اعتبره البعض عبئاً إضافياً يُعطّل حركة البيع والشراء، خاصة في ظل صعوبات السحب النقدي وبعض التعقيدات المصرفية.
ومع القرار الجديد، لم يعد هذا الإيداع إلزامياً، ما يمنح المتعاملين حرية أكبر في اختيار الطريقة التي يرغبون بها لتنفيذ عملياتهم المالية، سواء عبر المصارف أو بطرق أخرى.
رغم إلغاء الإلزام، لم تغفل وزارة المالية عن أهمية التعامل المصرفي في البيوع العقارية، إذ دعت في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” المواطنين إلى الاستمرار باستخدام النظام المصرفي، واعتبرت أن هذا التوجّه يحفظ حقوق الأطراف المتعاملة، ويوفّر بيئة آمنة وموثوقة لنقل الملكيات وتداول الأموال، كما يعزز ثقة الأفراد بالقطاع المصرفي الوطني.
دعم إضافي للتعامل البنكي
ومن بين التسهيلات الإضافية التي أعلنت عنها وزارة المالية، طلبها من المصارف المملوكة للدولة إلغاء أي رسوم أو عمولات كانت تُفرض على عمليات الإيداع أو السحب المتعلقة بالبيوع العقارية، إذ يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تشجيع فعلي على اختيار المصارف كوسيط مالي، من دون تحميل المتعاملين أعباء إضافية.. كما أنها قد تشجّع التجار والمواطنين على العودة للتعاملات البنكية بدلاً من السوق النقدية المباشرة، خاصة في ظل ما توفّره المصارف من سجلات موثّقة وضمانات أمنية.
انعكاسات القرار على السوق العقارية
في ظل الشكاوى السابقة حول تقييد سحب الأموال المودعة، أكّدت مصادر في وزارة المالية على مضمون تعميم مصرف سوريا المركزي الذي يضمن للمواطنين الذين يودعون مبالغ نقدية في المصارف لقاء بيع عقاراتهم، حرية سحب هذه الأموال في أي وقت دون فرض قيود زمنية أو شروط إجرائية معقدة.
هذه التطمينات قد تسهم في إزالة الحواجز النفسية لدى كثير من المواطنين الذين كانوا يترددون في استخدام المصارف، خشية من تجميد أموالهم أو تأخير الحصول عليها.
وبيّن الخبير العقاري عصام قولي أنه من المتوقع أن يُحدث هذا القرار أثراً فورياً في حركة السوق العقارية، ويتوقع العديد من الخبراء أن يزداد عدد صفقات البيع والشراء بعد إزالة العقبة المرتبطة بالإيداع الإلزامي، بالإضافة إلى انتعاش الطلب على العقارات خاصة في المدن الكبرى، نتيجة تخفيف القيود، كذلك يشجّع المستثمرين على الدخول في السوق مجدداً، بعد شعورهم بمرونة السياسات الرسمية.. ومع ذلك، فإن هذه التغييرات تتطلب رقابة مالية فعالة، لضمان عدم استغلال الثغرات أو عودة التداول النقدي العشوائي، ما قد يُضعف أهداف الشفافية المالية.
وحول تأثر القرار على مكافحة غسل الأموال، بين الخبير قولي أن الإيداع المصرفي يعد أحد الوسائل التي كانت تُستخدم لتعقّب حركة الأموال، وبالتالي تُسهم في مكافحة غسل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، ومع إلغاء الإلزام، يبرز تساؤل حول مدى تأثير ذلك على الجهود الرقابية.
لكنّ الوزارة، برؤيتها الجديدة، تراهن على أن التعامل الطوعي مع المصارف، المدعوم بالتسهيلات والحوافز، سيكون كفيلاً بجذب المتعاملين، دون الحاجة إلى إجراءات قسرية، هو توجّه يعتمد على بناء الثقة بدلاً من فرض القيود. أمام فرصة جديدة الرسالة غير المباشرة التي تحملها هذه الخطوة، هي تحميل المصارف مسؤولية كسب ثقة المتعاملين عبر تحسين الخدمات، وتبسيط الإجراءات، وتوسيع قدرة السحب والإيداع، فمع غياب الإلزام، يصبح الاعتماد على المصارف قراراً طوعياً مبنياً على الكفاءة والجودة.
كما يُتوقع أن تعمل البنوك العامة والخاصة على توسيع نطاق خدماتها الإلكترونية، مع تبسيط عمليات فتح الحسابات وربطها بالعقود العقارية، كذلك تقديم خدمات استشارية وتوعوية حول فوائد التعامل البنكي.
يمثّل إلغاء شرط الإيداع الإلزامي تحولاً ملحوظاً في السياسات المالية نحو نهج أكثر مرونة وتحفيزاً، دون الإضرار بأهداف الشفافية ومكافحة التهرب المالي، وبينما يرحّب كثير من المواطنين بهذا التغيير، تظل مسؤولية الحفاظ على نزاهة السوق وتقوية الثقة بالنظام المصرفي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن والمصارف. وفي النهاية، فإن نجاح هذا القرار لا يُقاس فقط بعدد العقارات التي تُباع، بل بمدى ما يُحدثه من تحوّل ثقافي في نظرة الأفراد للنظام المالي الوطني.