لنـــدع الفـــــرح يُزهـــــــر ويُعافينــــا مـــــــن الآلام.. والأهــــــــواء الســـــيئة..

عندما يهيمن الحزن والسواد والخوف على مجتمعاتٍ فقدت فرحها وسعادتها وأخلاقها، يصبح من الضروري أن يسعى مثقفوها ومفكروها، لاستدعاءِ ما استدعاه الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي «فريدريك لونوار» من طاقات حيوية.. استدعى ذلك في كتابه «قوة الفرح» الذي تتبَّعنا فيه وإياه، مافي دواخلنا من قوةٍ لا يمكن اكتشافها إلا بـ «الرحلة الفلسفية».
الرحلة إلى «اللذة، السعادة، الفرح» ومكمنهما في «الطاقة الروحية» التي يقودنا إليها أعظم فلاسفة الاعتدال والفضيلة.. يقودنا «أرسطو» وبعده بعشر سنوات «أبيقور» وبرؤيتهما أن «السعادة هي هدف الحياة» وبأن علينا «الحذر» و«التمييز بين ما هو جيد، وما هو سيىء، وما يجعل حياتنا سعيدة».
هذا مايتضمنه كتاب، سعى مؤلفه لاستحضار «قوة الفرح» عبر آراء وتأملات وأقوال الفلاسفة اليونانيين القدماء، والفلاسفة المعاصرين, أيضاً، مفكرو الهندوس والبوذية ممن رأوا بأن فرح البشر يأتي من حكمة الحياة، ومن القوة الموجودة فيهم وتمنحهم «فعل مقاومة» بل وحسب «بوذا» «طريق الاعتدال والتوازن، حيث منبع السعادة».
لكن، وبالرغم من أن هؤلاء الفلاسفة قد بيّنوا بأنه «لا توجد سعادة دون لذة، أو بالأحرى لذَّات معتدلة ومنتقاة» إلا أنهم، تساءلوا عن إمكانية ديمومة هذه اللذة.
سؤال، يجيب عليه فلاسفة العصور القديمة، حيث يرون بضرورة فصلها عن الأسباب الخارجية، وإيجاد أسباب داخلية لها. أسباب ترتقي إلى الأعلى.. نعم ترتقي ولكن كيف؟!. يسألون ويجيبون: «ترتقي اللذة بالحكمة، فأن تكون حكيماً، يعني ان توافق على الحياة وتحبها كما هي. أي، أن تقبلها برضى وقناعة واستسلام أكثر».
كلها مفاهيم، يعتبرها «لونوار» تناقض ماهي عليه اليوم في المجتمعات الغربية التي وجدها: «تمجد سعادة محدودة وزائفة. نرجسية مرتبطة بالمظهر، وبإرضاء حاجاتٍ أنانية مؤقتة».. هذا بالنسبة للعموم، أما بالنسبة للفلاسفة، فهي برأيه: «ليست عابرة، بل حالة مستديمة. حصيلة عمل ورغبة وجهد، ينتج عنهم بهجة عامرة هي الفرح».
إن ما دفعه للبحث عن كيفية تحليل تجربة الفرح ذات الأوجه المتعددة، وفهمهما وشرحها وتطويرها أكثر.. اندفع إلى ذلك متوجهاً إلى الفلاسفة القلائل في اهتمامهم بالرغبة الأسمى لدى الإنسان.. «فلاسفة الفرح» ممن لم يضعوه في صلب تفكيرهم، بقدر ما وضعوا السعادة، وصولاً إلى تجربة النهضة التي تعني الخلاص من حالة الجهل.
من هنا، وإن كان أكثر من اهتم بالفرح، مؤسسو الطاوية الفلسفية في الصين، إلا أن المفكر الفرنسي «ميشيل دو مونين» كان أول فيلسوف معاصر للحياة السعيدة التي «تستند على اللذات البسيطة، كالحب والأكل والقفز والرقص والتعلم وسواهم مما يُشعر الإنسان بأقصى حدود الفرح».
حتماً هو يدعو إلى «نشرِ الفرح، والتقليل من الحزن ما أمكن»، وهو مادعا إليه أيضاً، أكثر فلاسفة الفرح تميزاً وقناعة. المفكر الهولندي «سبينوزا» الذي اعتبر أن «الفرح حدس فلسفي» وبأن علينا صقل الفكر والأخلاق للوصول إليه. أي إلى فلسفة الفرح التي ميّزها بـ: «دراسته لسلوك الإنسان وأخلاقيته، ولكلّ مايؤثر في أفعاله، وبـ « جهد» هو قانون كونيٌّ لحياةٍ فرحة، وعبر «التصاعد التدريجي للإنسان، وصولاً إلى أعلى درجات الكمال».
أيضاً، هكذا كان الفرح لدى الفيلسوف الألماني «نيتشه» الذي ومثلما وجده «معياراً أخلاقياً أساسياً يجسد الفعل الإنساني، ولا يأتي اعتباطياً لأنه راسخٌ في قلبِ الأحياء» وجده «تأكيدٌ للحياة أمام الموت، والصحة أمام المرض، والخلق أمام الجمود».
بعد «سبينوزا» و»نيتشه» ظهر الفيلسوف الفرنسي «هنري برغسون» بنظرياته التي فيها استمرارية عميقة لفلسفة الفرح وقوته التي تكمن بكونه «القدرة الحيوية» التي توصلنا إلى هدفنا بإشارة محددة من الطبيعة.. إشارة الفرح التي تعلن أن الحياة نجحت وحققت تقدماً وقوة حماسية أو «طاقة روحية».
إذاً، «لندع الفرح يزهر».. هذا ماطلبه مؤلف الكتاب بعد أن تبين له أن «الفرح لايُطلب، بل يُكتفى بدعوته»..
طلب ذلك، متيقِّناً بأن مافي الفرح من طاقات، يحتاج منه إلى تلك العناوين الممتلئة بحياة حمَّلها لعناوينِ نصوصٍ كان فيها: «الفرح أكثر بهجة من السعادة» و»الفرح يغمرنا بلا ضجيج».. أيضاً، «الفرح هبة للإنسان منذ الولادة» و»علينا أن نزيل الحصى التي تسدّ منابع الفرح لديه».. إذاً، «لنرتبط عبر الفرح مع الكون» ومن خلال «مواقف زاخرة بالفرح».
باختصار، هي دعوة لكلِّ البشر، وفي كلِّ العالم، وللـ «العمل على معرفة الذات» و «اللجوء إلى التفكير والتأمل».. دعوة، بأن يعيشوا الفرح بعد أن يتحرَّروا من العوائق التي تمنع اتصالهم مع الآخرين.. أيضاً، هي حكمة. حكمة الفرح التي نحتاجها لنكمل مهمتنا الإنسانية، ومن أجلِ ما استحقَّ أن يختم به الكاتب: «من أجل أن نشفي العالم من كل هذه الآلام التي تفرضها أهواؤنا السيئة: الرغبة بالهيمنة والحقد والطمع والحسد والغيرة والتكبر والخوف. إنه أفضل التزام نشجع فيه الإرشاد الفلسفي الذي يدعونا لنبدأ بتغيير أنفسنا، ولنبدِّل أهواءنا إلى أعمال، ولنمرّ من مرحلة الأفعال المنفعلة إلى الأفراح الفاعلة».

 

هفاف ميهوب
التاريخ: الخميس 8-8-2019
الرقم: 17044

آخر الأخبار
70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين